الإرادة الشعبية مصطلح يستخدم في العديد من السياقات المختلفة، ويمكن تعريفها بتعريفات واصطلاحات عديدة لكنها لا تخرج عن كونها تمثل العقل الجمعي لمجتمع من المجتمعات أو لشعب من الشعوب. فهي رأي الشعب، والرأي العام، وصوت الشعب، وروح الشعب. والمصطلح الأكثر شيوعاً والأكثر صدى في العالم العربي هو الجمهور العربي أو حـرفياً الشارع العربي. وتحظى الإرادة الشعبية بأهمية كبيرة في السياسة، حيث يتم الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات على مستوى إدارة الدولة في حالة الحكم الرشيد لا السلطوي الديكتاتوري. وتؤدي الإرادة الشعبية إلى انبثاق مشروع وطني وربما مشروع إقليمي عربي أو إسلامي. وكلما ازدادت إرادة الشعوب تماسكا وحيوية كلما انعكس ذلك عليها ازدهارا وتنمية وانحسر كذلك التدخل الأجنبي بشكل مباشر أو عبر وكيل محلي، وكلما تهاوت الإرادة الشعبية وغيبت وقهرت، رتع التدخل الأجنبي وسرق ثروات الشعوب وجعلها شيعا يزيق بعضها بأس بعض. وعندما تغيب الإرادة الشعبية فإن الحاجة لإصلاح اجتماعي تكون ملحة، عبر التثقيف والتعليم بأدوات الإعلام ومؤسسات التربية والتعليم.

وقد يمثل الرأي العام الإرادة الشعبية في مرحلتها الأولى والأساسية، فالرأي العام بحاجة إلى ديناميكية تنفيذية ليغدو إرادة شعبية تحدث فعلا وتغييرا. ويمكن اعتبار الرأي العام مجموعة الضغوط والأحكام التي تصدرها الجماهير على عمل ما، وهو تيار يسير عبر الجماهير، ثم تتشكّل عنه طاقة لها فعالية في عمليات التغيير الاجتماعي. وقد تكون الانتخابات ديناميكية مهمة لتجسيد الإرادة الشعبية من اختيار ممثلي الشعب في البرلمان أو اختيار رأس الدولة. ومع كون الرأي العام يبدو كائناً هُلاميا قبل مرحلة الإرادة الشعبية، لكنه بالغ التأثير خاصة إذا تسلّح هذا الكائن بالوعي والقُدرة على التميّيز، وفارق صفوف الأُمية واللامبالاة والانسياق الأعمى خلف شعارات أو مقولات مذوّقة. ويمكن أن يعتبر الرأي العام صورة من صور السلوك الجماعي تمخضت عن جدل بين أفراد متعددين تعنيهم المسألة التي يتعلق بها هذا السلوك أو هذه المناقشة ويتجهون لتحقيق هدف أو غاية مشتركة. إن الرأي العام قوة ذات أثر كبير في حياة الناس اليومية؛ فهو الذي يؤازر هيئات الخدمة العامة وهو الذي يرعى التقاليد الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية أو يتنكر لها، وينفخ في الروح المعنوية أو يُثبّطها.

وقد ‏عرف الفكر السّياسي والاجتماعي الرأي العام بمفاهيم مختلفة كإرادة الأمة، ومشيئة الشعب. ‏بيد أن الإرادة الشعبية إما تتمخض عن برلمان منتخب وممثلا تمثيلا حقيقيا، أو ترتضي نظام حكم يمثل الإرادة الشعبية ويستجيب لها طوعا وكرها، أو أن ينتج عن مصادمة الإرادة الشعبية ثورة شعبية إلا إذا لم تسرق ويغير مسارها كما في ما عرف بثورات الربيع العربي آخرها ما يحدث في تونس وبشكل أكثر مأساوية في السودان. ويُعتبر الرأي العام مظهراً مباشراً لوجود المجتمع السّياسي، ويرتبط بالوعي السّياسي لدى شعب من الشعوب. فينشأ الرأي العام نتيجة لنشأة الوعي السّياسي لدى الجماهير، ويساعدها الرأي العام في إعمال الفكر وإبداء وجهات النظر تجاه ما يُثار من جدل ونقاش حول القضايا العامة التي تمس المصالح الجوهريّة للشعب.

‏تاريخيا تبلور الرأي العام العربي قبل الإسلام من خلال بعض المؤسسات القبلية، كمجلس الملأ، أو مجلس شورى القبيلة، المتكون من رؤساء الأقوام أو الأسر الممثلين لقبائلهم، كدار الندوة التي اتخذت مركزاً يجتمع فيه شيوخ قريش إذا ما طرأ لهم أمر ما. وكان سوق عُكاظ الشهير صورةً حيةً من صور مؤسسات الرأي العام كوعاءٍ أوسع يجمعُ كل عرب الجزيرة العربية. وكان سوقا حددت قريش زمانه ومكانه (في الأشهر الحُرم وفي مكان بين الطائف ومكة) بعد أن رأت أن الخطر يهددها من الأحباش وغيرهم. وأراد رؤساؤها جمع العرب على كلمة واحدة ضد هذا الغرض وغيره بعد عام الفيل. وعُكاظ بهذا تُعتبر ندوة سياسيّة كبرى تقضى فيها أمور كثيرة بين القابل: فمن أراد إعلان حربٍ على قومٍ أعلنها في هذا السوق.

وهناك علاقة جدلية تربط السلطة السياسية والفكرية والاجتماعية بوسائل الإعلام، هي علاقة تحكمها المصالح المتبادلة بين هذه الأطراف ووسائل الإعلام في الدول الديمقراطية، بينما تحكم تلك العلاقة التوجهات السياسية والفكرية والاجتماعية للدول غير الديمقراطية والتي لا تزال تسيطر على وسائل الإعلام بشكل مباشر أو غير مباشر. وتشير مُعطيات إحدى نظريات الإعلام إلى أنه كلما تبنّت وسائل الإعلام اتجاهاً ثابتاً ومتسقاً من إحدى القضايا لبعض الوقت، فإن الرأي العام يتحرك في اتجاه وسائل الإعلام نفسها. وينبني الرأي العام على ما تبثُّه وسائل الاتصال الجماهيرية بشكل أساسي. ويصعب تصور مثل هذا الرأي في مجتمع لا توجد فيه هذه الوسائل بشكل واضح. إن وسائل الاتصال الجماهيرية سواء كانت في البلدان ذات الطبيعة الليبرالية أو التي تقوم على أساس ملكية الدولة، أو في البلدان المسماة بالنامية، هذه الوسائل وثيقة الصلة، ولو بدرجات متفاوتة، بمؤسسة الدولة. ومع انتشار وتطور وسائل الإعلام تكنولوجيا لا سيما عبر وسائل التواصل الإعلامي تبرز مشكلات المواد الكاذبة قصدا أو بدون قصد ومحاولات الأنظمة السياسية احتلال عقل الجماهير وتسخيره لخدمة مصالح الأنظمة الحاكمة لا مصالح الجماهير عبر الإعلام لنصل إلى حقيقة مرة وهي تزوير الإرادة الشعبية. وهناك سؤال مُلحٌّ وهو هل فعلا أن الرأي العام في النظام الديمقراطي هو الذي يقرر، أم أن وسائل الإعلام هي التي تقرر ما ينبغي لهذا الرأي العام أن يقرره مع إيهامه بأنه صاحب المبادرة والحرية المطلقة في قراره؟. نعم إلا إذا عملت وسائل الإعلام بدون نوايا سيئة أو غدت أداة طيعة لدى النخب الحاكمة وذلك بأن تعمل على تحقيق أكبر قدر من التأثير المعرفي والعاطفي والسلوكي ويزداد ذلك عندما تقوم هذه الوسائل بوظائف نقل المعلومات بصدقية وبشكل متميز مكثف.