وأنا أقرأ كلمة الدكتور عبداللطيف الزياني، وزير الخارجية القدير أمام مؤتمر قمة عدم الانحياز في العاصمة الأوغندية، كمبالا، لمعت بخاطري مقولة قد تكون مستلهمة من جذور مادية جدلية ماركسية أحتفظ بها في رأسي لإيمانٍ مني بها، ومفاد هذه المقولة أن «السياسة الخارجية ليست إلّا انعكاسًا للسياسات الداخلية»، ورغم أن هذه الفكرة لا تصح دائمًا؛ لأن دولاً غير قليلة في كثير من الأحيان تعير الخارج اهتمامًا أكبر من عنايتها بما تحتاج إليه أوضاعها الداخلية من عناية واهتمام؛ لتظهر للآخرين قبل شعوبها بأن أوضاعها الداخلية مستقرة وأن أمنها الداخلي مستتب وأنها تسير وفق متطلبات الدولة الحديثة، فإن كلمة الدكتور الزياني أكدت لي صحة هذه الفكرة أو المقولة فيما يتعلق بسياسات مملكة البحرين الخارجية حتى إنها لتبدو انعكاسًا أمينًا لها؛ لشدة تناغمها مع السياسات الداخلية التي تنتهجها حكومة مملكة البحرين. ولو أننا استعدنا لقاءات وزير الداخلية التي كانت بالأمس القريب في جمهورية النمسا لوجدنا هذا التناغم مع كلمة وزير الخارجية جليًا ظاهرًا للعيان.

ما يبعث على الفخر والاعتزاز هو أن لدينا هنا في الداخل البحريني سياسات تدار وفق نهج وطني حضاري ترسم خطوطه العامة رؤية جلالة الملك المعظم وتنفذ الحكومة هذه الرؤية بدقة بناء على ما يتسق مع معطيات المجتمع ويتناغم مع احتياجاته في سلم تطوره ومساحات انفتاحاته الواسعة على متغيرات السياسة والاقتصاد والفكر والثقافة وثوابتها في العالم. فالفعل الوطني في الداخل البحريني يتعزز بأفعال ملموسة على مستوى المجتمع ومؤسساته الوطنية والدستورية وفيه تترسخ قيم إنسانية تتسع لاستيعاب كل المتغيرات، وتكون انعكاسات هذا الفعل في الخارج شهادات وتنويهات وإشادات بما يحصل في الداخل وإطراءً تُتخذ معه التجربة البحرينية مثالاً ناجحًا للممارسات الفضلى في إدارة الشأن العام. ليس في الأمر مبالغة، انظروا ودققوا وقارنوا فحسب لتروا ما أرى.

هذه المقدمة خلاصة لما حملته كلمة سعادة وزير الخارجية عبد اللطيف بن راشد الزياني من المؤتمر وإلى المؤتمر، ومن هناك إلى الداخل البحريني وإلى شعوب دول العالم، حيث عبر الدكتور الزياني عن اعتزازه بإشادة قمة حركة عدم الانحياز في وثيقتها الختامية بالمبادرات الرائدة لجلالة الملك المعظم بشأن «تعزيز التسامح الديني والتعايش السلمي بين الأديان والشعائر والثقافات ودعم تمكين الشباب، وترسيخ مكانة مملكة البحرين دولةً رائدة في توطيد العلاقات وإثراء التفاعل بين الشعوب من مختلف الديانات والمعتقدات والثقافات حول العالم». فالدولة البحرينية ووفقًا لمقتضيات الأخذ بالرؤية الملكية السامية غدت رائدة في إقامة ملتقيات الحوارات بين الأديان والتعايش السلمي وتشهد لها بذلك دول العالم التي تسيّر شؤونها أنظمة شرعية معترف بها وليس تلك المختطفة من الأحزاب الراديكالية التابعة لإيران والتي تستقي معلوماتها من جماعات تماثلها في العقيدة والوسيلة.

واستجابة لمتطلبات الساعة العصيبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، ولمزيد من الإيضاح لمن لم يفهم بعد توجه الدولة البحرينية وموقفها من القضايا العربية والقضية الفلسطينية تحديدًا، خصص سعادة وزير الخارجية مساحة في كلمته أمام المؤتمر للحديث عن القضية الفلسطينية، وعن الرؤية البحرينية لإيجاد حل دبلوماسي مناسب لهذه القضية التي لا حل لها إلا بتغليب لغة الحوار والعقل، متجاوزًا في ذلك كل الطروحات المتطرفة المهيمنة على الساحة، وهي تلك الطروحات المبنية على لغة الشعارات المخاتلة الكاذبة والتي أصبحت حكرًا على إيران وعلى المجاميع الميليشياوية التابعة لها فحسب. لهذا عرض سعادة الوزير وجهة النظر البحرينية التي لا تحيد عنها لتسوية كافة النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية، موضحًا في هذا الإطار رفض مملكة البحرين فكرة التهجير القسري للفلسطينيين خارج أراضيهم تصورًا وتخطيطًا وتنفيذًا التزامًا بالقانون الدولي الإنساني، مطالبًا بضمان وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الفلسطينيين في غزة. وأعاد الدكتور الزياني موقف مملكة البحرين الثابت لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وفق حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية.

كلمة وزير الخارجية سعادة الدكتور عبد اللطيف الزياني كانت توصيفًت وتصويرًا بالغ الدقة لمجريات الأمور في داخل الوطن، ونقلاً أمينًا صادقًا لواقع الحال مما يجعل المواطن مطمئنًا بأن النجاحات في

الداخل تلقى الصدى والأثر الطيب في الخارج بعد أن عانينا من حملات التشويه والتدليس وفبركة الأخبار ممن ارتهنت تحركاتهم وأهدافهم بجهات خارجية في عمالة وضيعة ظاهرة لم تمنعهم من التظاهر بالدفاع عن حقوق الإنسان! نجاح الدبلوماسية البحرينية من نجاح السياسات الداخلية والنجاحان هما نجاح لحكومة سيدي صاحب الجلالة المعظم التي يرأسها ولي العهد صاحب السمو الملكي الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة سدد الله خطاه لما فيه صالح البحرين والبحرينيين الصادقين.