تدور الولايات المتحدة الأمريكية في حلقة مفرغة من أي مبادرة حل للصراع الفلسطيني العربي، وامتداداته التي أضرت باستقرار المنطقة، وتأثرت به أمريكا بوصفها اللاعب الأول والأكبر في هذا الوضع المتأزم الذي بدأت البحث عن حلول له من خلال خرم إبرة، لا باستثمار هذا الفضاء الواسع المكتظ بالحلول لو كانت أمريكا جادة وصادقة في البحث عن المعالجة بدءاً من جذور المشكلة وتداعياتها.

* *

فوزير خارجية أمريكا، وقيادات أمريكية أخرى لا يتوقفون عن القيام بجولات مكوكية لجميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل، ويتحدثون عن أنهم في زياراتهم يسعون إلى فك عقد هذا الصراع بإيقاف القتال في غزة وتحرير الرهائن، والتوجه نحو إقامة الدولة الفلسطينية، ولكن ما إن يأتي التنفيذ بديلاً للأقوال فلا نرى غير مزيد من الدعم الأمريكي لإسرائيل مالياً وعسكرياً وسياسياً، وما خفي أعظم وأخطر.

* *

الآن الموقف الأمريكي تغير شكلياً، بدأ بكلام غير موثوق، وأصبحت أمريكا تتحدث صراحة عن ضرورة قيام دولة لفلسطين، وتبعها الحلفاء: بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالتأكيد من جانبهم على حق الفلسطينيين بدولة لهم، ضمن حقوقهم المشروعة، وهو ما أصاب إسرائيل بالذعر، ومواجهة هذا التطور بالرفض، والإصرار على استمرارها باحتلال الأراضي الفلسطينية، وعدم استعدادها لإيقاف عدوانها على غزة.

* *

هذا الموقف الإسرائيلي الخطير فيه تحد للعالم بالإعلان عن بناء سبعة آلاف مستوطنة في الضفة الغربية، والعودة إلى بناء مستوطنات إسرائيلية في غزة بعد انتهاء الحرب، ضمن التهويد الذي تنتهجه إسرائيل منذ قيامها عام 1948م ودون توقف، وهو ما يعني أن الموقف الأمريكي المستجد هو الآن على المحك، وما لم تسرع واشنطن وحلفاؤها على البدء بتنفيذ قيام الدولة الفلسطينية، فسوف تلتف إسرائيل على ما صرحت به الدول الأربع، وقد تتراجع هذه الدول وترضي الإسرائيليين بما يريدونه.

* *

الكنغرس الأمريكي يتبنى الآن دعم إسرائيل بأكثر من عشرة بلايين دولار، ورئيس مجلس النواب الأمريكي اتهم الرئيس جو بايدن بالخيانة فيما لو استخدم الفيتو لمنع تقديم هذا الدعم لإسرائيل، ما يجعلنا نضع الجهد الأمريكي في استراحة طويلة، وإغفاءة مميتة ودون قدرة أو استعداد أو رغبة في إيجاد أي حل لا يرضي إسرائيل وكذلك اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية.

* *

أمريكا هي من يستخدم حق النقض في مجلس الأمن لمنع صدور قرار لإيقاف القتال، وهي أمريكا التي تدعم إسرائيل في كل شيء، وهي أمريكا التي تنادي بعدم التصعيد، وفي المقابل هي ذاتها التي تضرب قواتها سوريا والعراق واليمن، وهي أيضاً التي ترسل المندوبين للمنطقة، فيعودون دون نتائج، لأن إسرائيل تفشل جهدهم، وتحيدهم، ولهذا طالت الحرب، وزادت الخسائر، ولم يتحقق للإسرائيليين أي نصر، إلا إذا كان قتل المدنيين، وهدم المنازل، يعد انتصاراً في حرب الإبادة.

* *

السؤال: ماذا تريد أمريكا من هذه المنطقة؟ أين تكمن مصالحها ومصالح العالم؟ وما علاقة إسرائيل بكل هذه التطورات والأزمات والحروب المتواصلة؟ وهل تريد أمريكا حقاً الأخذ بخيار الدولتين، والنأي بنفسها عن الدعم الأعمى لإسرائيل؟ ما جعل أمريكا دولة مكروهة لدى كثير من شعوب دول هذا الجزء من العالم؟ الإجابة معلومة، ومعروفة، ويتحدث الناس عنها، بما لا حاجة مني إلى مزيد من القول أو الإيضاح!