المواجهة اليوم بين الولايات المتحدة وإيران أصبحت أكثر صراحة ووضوحًا، واللعب بين الجانبين على المكشوف، وإن كانت إيران حتى الآن لم تستخدم قواتها المسلحة، الجيش والحرس الثوري الإيراني، فكل ما هناك مجاميع من الميليشيات الموالية لها في الدول العربية لإفشال أي مشروع أو مبادرة لتعزيز الأمن بالشرق الأوسط، ومن تلك الأحزاب الموالية للنظام الإيراني، حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وجماعة الحوثي واليمنية وحركة حماس الفلسطينية التي أعلنت ارتباطها بالنظام الإيراني، وبغلت المواجهة ذروتها بين الجانبين (الأمريكان والإيرانيين) بعد تصفية قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وصديقه المهندس في الأراضي العراقية بصاروخ أمريكي، ثم استهداف المليشيات الإيرانية بالعراق وسوريا مجموعه من الجنود الأمريكان على الحدود السورية الأردنية، ولكن المواجهة إلى الآن لم ترتقي إلى مستوى الصدام المباشر بين إيران وأمريكا!!
والغريب أن رد الرئيس الأمريكي جو بايدن لمذيعة التلفزيون حول الحرب المحتملة بين أمريكا وإيران هو (أقرب مما تعتقدون)، ولكن عن أي حرب يتحدث؟ هل الحرب المباشرة على إيران أم قصف المدن والقرى في العراق وسوريا؟، لذا جاءت الكثير من التصريحات الإيرانية المتهكمة والساخرة من التهديدات الأمريكية، ومنها تغريدات المرشد الإيراني علي خامنئي والتي يقول فيها بأن (أمريكا لا تستطيع أن تفعل شيئًا)، لا تستطيع خوفًا من القوة الإيرانية بالمنطقة أو ربما هناك اتفاقًا بين الطرفين بعدم الصدام المباشر!! والمتابع للتصريحات بين الطرفين يرى بأنها لم تخرج حدود التهديد والوعيد والانتقام، وهي تصريحات صحفية باهتة.
النظام الإيراني كثيرًا ما يهرب إلى الإمام، ويرفض الحرب المباشرة مع الأمريكان وذلك للآثار التي تركتها الحرب الإيرانية العراقية في نفوس الإيرانيين من جهة، وكذلك للتدخل الأمريكي في الشئون العراقية وإسقاط الرئيس العراقي وحزب البعث في العام 2003، وهي آثار لا تزال حاضرة ومؤلمة لدى القيادة الإيرانية، وجرحها لا زال غائرًا ولم يلتئم بعد، لذا تحاول إيران إشعار النيران في الدول العربية المجاورة، وهي حروب بالوكالة تقوم بها المليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن نيابة عن الحرس الثوري الإيراني.
والنظام الإيراني لم يعترف بأي تدخل في الدول العربية، ولم يعترف بالأعمال الإرهابية في الخليج العربي والبحر الأحمر، مع أن الحرس الثوري الإيراني يضع الألغام على هياكل ناقلات النفط، ويستخدم الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة لضرب منشآت النفط في السعودية، وتضررت المصالح الدولية في مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، ومع ذلك لم ترتقي المواجهة بين الأمريكان والإيرانيين إلى مستوى الصدام المباشر، والذي اعتبره بعض المحللين بأنه صراع الإخوة الأعداء!!
من يقرأ العلاقة بين الأمريكان والإيرانيين منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979 يرى بأنه هناك شعرة علاقة بجحم شعرة معاوية، قد يتصارع الفريقان ولكن في أراضي محايدة، ليس لأمريكا ولا إيران خسارة فيها، مثل الأراضي العراقية والسورية واللبنانية واليمنية، فالأمريكان يتحدثون عن عملية انتقامية ردًا على استهداف قاعدة أمريكية بالأردن بطائرة مسيرة من مليشيات مدعومة من إيران، ولكن ليس بضرب إيران ومصالحها، وإنما يبحثون عن مواقع بعيدة عنها!
الإدارة الأمريكية اليوم أمام منعطف صعب وخطير، فهي في مواجهة إيران التي تتوسع وتتمدد على حساب الدول العربية التي أصبحت دولًا ضعيفة وهشة، وليس لها قرار سيادي يدافع عنها في مواجهة المليشيات الإيرانية التي تم زرعها فيها، والأمر الآخر أن الإدارة الأمريكية اليوم تستعد للانتخابات القادمة، وهي مرحلة مهمة وحساسة يتصارع فيها الحزب الديمقراطية والحزب الجمهوري، وهي مرحلة رمادية يصعب قراءتها والتعاطي معها، وهو الأمر الذي يعني صعوبة اتخاذ قرار أمريكي لترتيب الأوراق ولتعزيز الاستقرار بالشرق الأوسط، فهل تشهد المنطقة صدامًا مباشرًا بين إيران وأمريكا بعيدًا عن الدول العربية؟!
التعليقات