على امتداد التاريخ وموقف المملكة من القضية الفلسطينية ثابت ولم يتغير، تستجد حروب وأمور وتطورات وأحداث والموقف السعودي ثابت على ما هو عليه، التزام ومسؤولية نحو إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، وربط اعتراف المملكة بدولة إسرائيل باعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، وهو موقف معلن وثابت ومعروف، وقد بلورته المملكة في المبادرة العربية التي ولدت بالرياض وأقرتها القمة العربية في بيروت، وضمن مضمونها اعتراف الدول العربية بإسرائيل مقابل اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية.

لكن من حين لآخر يحاول أعداء قيام الدولة الفلسطينية من الفلسطينيين والعرب، ومن يزايدون على هذه القضية أن يتحدثوا عن الموقف السعودي بخلاف الواقع، وبما يتعارض مع الحقيقة، وبما لا ينسجم مع ما هو ثابت ومعلن رسمياً من أعلى القيادات في المملكة، لأهداف مشبوهة لدى هؤلاء، ومصالح ذاتية، وأجندات تتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني، دون أن يؤثر ذلك على موقف المملكة، أو يأخذها بعيداً عن حرصها على مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وفي طليعتها إقامة دولته الحرة المستقلة.

ومثل ذلك، ومع زيارة كل مسؤول أمريكي للمملكة، واجتماعه بالقيادة يتجنب عادة التصريح إلا بما ينسجم مع الموقف الأمريكي، وأحياناً يضيف إليه ما لا يمثل موقف المملكة، وخاصة حين يكون الحديث عن القضية الفلسطينية، وتحديداً عن التطبيع مع إسرائيل، ضمن لعبة خلط الأوراق التي تنتهجها واشنطن، وتحاول من خلالها التأثير على موقف المملكة الثابت من قيام الدولة الفلسطينية، وحشد رأي عام يتضامن مع تسريبات لمعلومات أمريكية وإسرائيلية بما هو باطل وغير صحيح، وتفريغ موقف المملكة الثابت من التطبيع مع إسرائيل التي يعرفها العقلاء والشرفاء، وكل من يتابع مسار السياسة السعودية نحو الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وحتى لا يستمر الجدل حول التطبيع بين المملكة وإسرائيل بما هو غير صحيح، وحتى لا يأخذ هذا الجدل مساراً لا يتفق مع الواقع، اعتماداً على معلومات مُشوّهة، ومصادر غير موثوقة، فقد صرحت وزارة الخارجية حول ما يتعلق بالمناقشات الجارية بين المملكة وأمريكا بخصوص مسار السلام العربي - الإسرائيلي، وفي ضوء ما ورد على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بهذا الشأن، فإن وزارة الخارجية السعودية تؤكد بأن موقف المملكة (كان ولا يزال) ثابتاً تجاه القضية الفلسطينية، وضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وأن المملكة أبلغت الإدارة الأمريكية بأن لا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانسحاب كافة أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

ليس هذا فقط، بل لقد شمل تصريح وزارة الخارجية دعوتها للمجتمع الدولي - وعلى وجه الخصوص- الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي لم تعترف حتى الآن بالدولة الفلسطينية بأهمية الإسراع في الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، ليتمكن الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة، وليتحقق السلام الشامل والعادل للجميع.

إن بيان وزارة الخارجية الذي عبّر عن موقف المملكة بشأن محورية إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية كمتطلب رئيسي لإحلال السلام في المنطقة جاء ليقطع الطريق أمام مزايدات بشأن موقف المملكة التاريخي الثابت والراسخ تجاه القضية الفلسطينية، ووقوفها الدائم مع حقوق الشعب الفلسطيني، وتعزيز صموده، وتوفير الحياة الكريمة له، وفيه نفي قاطع للتسريبات غير الصحيحة التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تمريرها للإعلام، مع التأكيد على سيادة القرار السعودي، وعدم ارتهانه لأي حسابات من أي دولة أياً كانت، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الواضح أن التسريبات الأمريكية-الإسرائيلية التي تحاول إيهام الرأي العام بشأن انفتاح المملكة على فكرة إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل في ظل استمرارها بالعدوان على غزة، يهدف إلى التأثير على جهد المملكة الرامي إلى وقف فوري لإطلاق النار، ليأتي بيان وزارة الخارجية من مواقف واضحة وصريحة ليدحض كل المزاعم التي حاولت كل من واشنطن وتل أبيب تسويقها خدمة لمصالحهما وسياساتهما، مع تأكيد المملكة باستمرار التصدي لكل أنواع الظلم الذي تمارسه إسرائيل، وعدم تخلي الرياض عن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني مهما كلفها ذلك من ثمن.

كل هذا يأتي ترجمة لتأكيدات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان على وقوف المملكة إلى جانب الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة في حياة حرة كريمة، وتحقيق آماله وطموحاته، وتحقيق السلام العادل والدائم، مع استمرار القرارات التاريخية الشجاعة التي اتخذتها المملكة طيلة 76 عاماً، متوازنة في أهميتها وتاريخيتها مع تلك الوقفات الحازمة والحاسمة مع الحق العربي، ودعمها للمجهود الحربي، ومشاركة جيشها في حرب 1948م، وصد العدوان الثلاثي، وقطع النفط وغيرها.

هذه هي المملكة لمن يريد أن يزايد على مواقفها التاريخية الثابتة، وهذه هي المملكة ومواقفها بخلاف التسريبات الأمريكية والإسرائيلية، فتاريخها ناصع وواضح ومشرّف، ومن يراهن على غير ذلك فسوف يخسر ويفشل، فهذه هي الرياض، وهنا القرار المستقل.