العديد من الإخوة والمهتمين أرسل لنا عن خبر إطلاق سمو ولي العهد الإستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية، والحق يقال، الجميع سعداء بهذا الخبر، فما بالك نحن العاملون في هذا القطاع، وهذا يدل على بعد نظر والرؤية المستقبلية الفذة لسمو ولي العهد، وتركز الإستراتيجية على تحسين الصحة الوطنية ورفع مستوى جودة الحياة، بالإضافة إلى حماية البيئة وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وتعظيم الفرص الاقتصادية وتوطين الصناعات الواعدة.

قطاع التقنية الحيوية بدون مبالغة من أهم القطاعات في مستقبل الإنسان والبشرية ويتعلق بكل شيء أساسي لاستمرار الجنس البشري وصحته وسلامته!

ميزة القطاع أنه يمكنه مواجهة العديد من التحديات العالمية وخلق قيمة اقتصادية في مجالات مختلفة، مثل الرعاية الصحية والزراعة والمواد والطاقة، ولتوضيح بعض أمثلة منتجات التكنولوجيا الحيوية فهي مثل اللقاحات والأدوية الحيوية والمناعية والعلاجات التفصيلية والعلاجات الجينية والمضادات الحيوية والإنزيمات، ويدخل أيضا في القطاعات الأخرى مثل الزراعة وتحسين المحاصيل وحتى الطاقة والوقود الحيوي والبلاستيك.

بناء قطاع تقنية حيوية متطور وفعال ليس بالمهمة السهلة، وليست بالمستحيلة أيضا، لكن من في القطاع يدركون التحديات، ومن خبرة ما يقرب من العقدين في هذا المجال نؤكد أن القطاع يختلف بشكل كبيرا جدا عن بقية القطاعات الأخرى حتى عن الصحة والطب، بل بينهما بون شاسع، ولك لغته المختلفة وفي كثير من الأحيان المتعاكسة!

إن بناء إستراتيجيات لقطاع تقنية حيوية متطور ومرن يحتاج مجلدات وليس إلى مقال! لكن سأركز على نقاط حيوية بل مصيرية للقطاع! إن جوهر قطاع التقنية الحيوية هو (الإبداع والابتكار)، ضع تحتها أكثر عدد من الخطوط تريده، فهو مجال ديناميكي وتنافسي يتطلب ابتكارا واكتشافا مستمرين لتلبية احتياجات وتوقعات العملاء والمرضى والمجتمع. تحتاج إلى الاستثمار في البحث والتطوير والاستفادة من التقنيات الجديدة بشكل مستمر ويومي ودائم!

إذا أردت تدمير قطاع التقنية الحيوية أو فشله فقط ضع عليه شخصا لا يؤمن بالابتكار أو بيروقراطي أو شخص لا يفكر خارج الصندوق ولا يتقبل الأفكار الجديدة الخلاقة! لأن الابتكار والإبداع والأفكار الجديدة هي جوهر ورح القطاع!

طبعا تنظيم القطاع شيء أساسي، وهنا نتكلم عن قطاع في منتهى الدقة فالتنظيمات ستكون على أعلى المعايير العالمية.

أحد أهم العوامل لنجاح القطاع هو استقطاب المواهب، وهنا يكمن السر في تقدم القطاع مقارنة بين مكان وآخر.

عامل آخر مهم جدا خصوصا لبناء قطاع تقنية حيوية جديد هو الشراكات والاستحواذات مع الشركات المبتدئة الجديدة التي لها مستقبل واعد، لكن هذا العامل أيضا خطير لأنك تحتاج ما يسمى (العين الفاحصة) أو العين الخبيرة التي ترى إذا كان هناك فرصة ومستقبل باهر للشركة أم لا قبل الاستحواذ والشراكة!

أما الشراكات مع الشركات الكبرى في القطاع الحيوي فائدتها محدودة خصوصا الغربية، قد يساعدونك في تصنيع ما لديهم ونقل بعض التقنية، لكن هم بخلاء جدا في مشاركة ما لديهم للمستقبل أو الترند المستقبلي للتقنية الحيوية! فتكون دائما خطوات خلفهم في المجال!

استخدام التقنيات الحديثة ودمجها مع التقنية الحيوية أمر هام جدا وستحرق المراحل وتسرع في تقدم القطاع مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والتعاون مع اللاعبين الآخرين لخلق حلول جديدة ومتميزة!

لا شك أن الإستراتيجية الوطنية كانت واقعية ووضعت وقتا ملائما إلى 2040، ولا شك أننا نملك المقومات والإمكانات في المملكة لإنشاء قطاع تقنية حيوي فعال وحديث، فالإستراتيجية الوطنية تركز للتقنية الحيوية على أربع توجهات وهي: اللقاحات بهدف توطين صناعة اللقاحات وتصديرها وقيادة الابتكار فيها، بالإضافة إلى التصنيع الحيوي والتوطين لزيادة استهلاك الأدوية الحيوية وتوطينها وتصديرها، وكذلك الجينوم بهدف الريادة في أبحاث علم الجينوم والعلاج الجيني، وأخيرًا تحسين زراعة النباتات لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وقيادة الابتكار في مجال البذور المحسّنة.

ولكن الأهم، وأكررها، أي منتمٍ للقطاع يجب أن يملك روح الابتكار والإبداع وطرد البيروقراطية وإلا لن يصلح للقطاع!

نحن نتكلم عن قطاع عالمي قيمته السوقية أكثر من تريليون ونصف تريليون دولار ونمو عالمي بمقدار 14% تقريبا!

والسعودية الجديدة دائما ما تكون في محور أي مجال متقدم يطور العالم والبشرية.