القلق السلبي هو أحد مسببات الأرق. أما مسببات هذا القلق فهي كثيرة. القلق بشكل عام حالة إنسانية طبيعية ولكن حين يصل إلى قلق سلبي دائم ملازم للإنسان في كل شؤونه ونشاطاته فهنا تكون الحالة غير واقعية وتتطلب العلاج. هذا العلاج لن يتحقق بمجرد نصيحة تقول (لا تقلق) أو (لا تحب) فالأمر ليس بهذه البساطة .

تتعدد أنواع القلق وتتنوع مسبباته، ومنها القلق المرتبط بالحب وعلاقته بالأرق. أحد الذين ربطوا بين القلق والأرق هو الشاعر النادر الفريد المبدع أبو الطيب المتنبي في قصيدته التي مطلعها:

أرق على أرق ومثلي يأرق وجوى يزيد وعبرة تترقرق

وفيها يقول :

جهد الصبابة أن تكون كما أرى عين مسهدة وقلب يخفق

هذا الأرق الذي أصاب المتنبي هو نتاج قلب عاشق لا تنطفي ناره ، قد تنطفي نار الغضا أما نار المتنبي فتظل مشتعلة فكيف سيفوز بالنوم . كم كان المتنبي بحاجة إلى القدرة على النوم كما كان يفعل ذلك الرجل الذي يطلق عليه اسم (حموم) في زمن غير زمن المتنبي. (حموم) حسب الرواية نام نوما عميقا فوق عتبة أحد الدكاكين في مدينة عنيزة لمدة طويلة فقد مر به الشاعر المشهور محد العبدالله القاضي (الذي كان يعاني في القبض على النوم) وشاهده بعد صلاة العشاء وهو في طريقه لاجتماع الأصدقاء (الدورية) فوجده نائما، ثم مر به في طريقه إلى البيت فوجده نائما، وحين خرج القاضي لصلاة الفجر وجده في حالة نوم مستمرة. حالة يمكن تفسيرها أن (حموم) لا يعاني من الأرق ، لأنه ربما لا يعاني من القلق أو لأنه في رواية أخرى كان متعبا بسبب جمع الحطب ، أو كان أحد الذين يقومون بمهمة الحراسة (العسة) فغلبه النوم حسب رواية أخرى. الشاعر القاضي كان يغبط (حموم) على قدرته على النوم ، وعبر عن ذلك بالشعر قائلا:

لو أتمنى قلت أبي راس حموم بالليل ولا بالنهار أبي راسي

الشاعر القاضي يريد أن يتخلص من الأرق في الليل أما في النهار فيريد استرجاع رأسه .

إذا كان الشخص يعاني من الأرق فهل نقدم له تلك النصيحة المختصرة (لا تقلق) أم ندرس ظروف هذا الشخص التي تجعله يتمنى رأس (حموم). هل نقدم له النصائح التي تساعد على النوم مثل العشاء الخفيف المبكر، وعدم النوم الطويل أثناء النهار ، والسباحة بماء دافئ. هل هذه النصائح كافية إذا كانت حالته تشبه حالة المتنبي.؟ هل نقول له (لا تقع في الحب) ، لماذا يرتبط الحب بالأرق أو المعاناة وهو مصدر للسعادة .

صديقنا وأخونا العزيز صالح العبدالكريم المرزوقي تفاعل مع أمنية الشاعر القاضي واستعار المعنى الوارد في ذلك البيت فأبدع هذه القصيدة :

هني قلب دالهن دايم الدوم تمضي حياته بين ضحك ووناسة

خالي ولا عنده هواجيس وهموم إلى شرب فنجال طير عماسه

لا مشغل فكره ولا هوب ملزوم بمتابع أخبار الفضا والسياسة

بالليل له راس مثل راس حموم اللي خذا الشهرة بكثرة نعاسه

عقب العشا يطرب ويشتق للنوم يغط في نومه إلى حط راسه

تلك الأبيات من الشعر تمثل مفاتيحا لمحاولة فهم القلق والأرق وتؤكد أهمية النوم بالليل وهي مؤكدة قبل ذلك في القرآن الكريم. فيها طرافة ونصائح غير مباشرة تساعد الإنسان في الابتعاد عن القلق وعندها سيغط في النوم في وقت مبكر من الليل كما هي أمنية الشاعر صالح المرزوقي.

من الأسئلة التي يمكن طرحها حول ما سبق ، هل كان النوم في الماضي أسهل بسبب أن كثيرا من الأعمال تتطلب الجهد البدني وليس العمل المكتبي؟ هل النوم في الليل أصعب في هذا الزمن بسبب القيلولة الطويلة أم بسبب العشاء المتأخر ، أم بسبب تعقيدات الحياة الحديثة وكثرة مؤثرات ومسببات القلق السلبي المؤدي للأرق .؟

موضوع النوم يحظى بدراسات كثيرة تشمل أسباب الأرق وأعراضه وكيفية التعامل معه. إذا عرفنا سبب أرق المتنبي ، وسبب أرق القاضي ، فهل توصلنا إلى معرف سر قدرة (حموم على النوم) نترك الإجابة لتلك الدراسات.