في السادس عشر من الشهر فبراير الجاري، أعلنت سلطات السجون الروسية وفاة نزيلها أليكسي نافالني. الخبر تحوّل إلى قصة عالمية، والأكيد أن عواقب حياة نافالني ووفاته ستظل موضوع نقاش لأشهر وسنوات، في روسيا وخارجها. وفي غضون ذلك، لا بد أن الكثير من أنصار الحكومة الروسية يشعرون بالارتياح لأن أحد أكثر المنتقدين لها حدةً لم يعد قادراً على نشر مقاطع فيديو واسعة الانتشار لمنازل وعقارات فخمة كان عادة ما يقول إنها مملوكة لبعض النافذين والمقربين من الأوليغارشية الروسية، غير أنه على المدى الطويل، قد تلاحق عواقبُ الوفاة وظروفُها الحياة السياسية في روسيا وجهودها الرامية إلى احتواء المنتقدين ذوي الأصوات العالية من أمثال نافالني.

كان نافالني شخصية سياسية شهيرة ومثيرة للجدل والانقسام، بعد نجاته مما قيل إنها محاولة تسميم تَعرّض لها في أغسطس عام 2020، تعافى في ألمانيا قبل أن يتخذ قرارَ العودة المصيري إلى بلده روسيا. والحال أنه كان بإمكانه البقاء في المنفى، لكن ذلك كان سيحدّ من تواصله السياسي مع أنصاره من الروس، فقرر العودة إلى البلاد، وهو يعلم أنه بمجرد وصوله ستوجه إليه لائحة اتهام، وسيتعرض للاعتقال.

وقد أمضى السنوات الثلاث الماضية في سجون مختلفة، قبل أن ينتهى به المطاف في مكان قصي يعرف باسم مستعمرة «الذئب القطبي». الظروف الدقيقة لوفاته ما تزال مجهولة إلى الآن. وحتى كتابة هذه السطور، لم تُسلّم جثته لعائلته من أجل دفنها. ويزعم العديد من الزعماء الغربيين أن نافالني قُتل عمداً، سواء بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر.

زوجة نافالني، يوليا نافالنايا، تقيم حالياً في مكان ما خارج روسيا، وقد أعلنت أنها أخذت على عاتقها مهمةَ الحفاظ على ذكراه، وإبقاءَ رسالته حيّةً من أجل أنصاره الروس الذين يأملون في أن تصبح أفكارُه حول روسيا حقيقةً واقعيةً ذات يوم.

والواقع أنه من السابق لأوانه توقّع مدى فعالية يوليا نافالنايا، وقدرتها على الاطلاع بأدوار سياسية ناقدة كتلك التي كان يمارسها نافالني نفسه، غير أنها تمتلك القدرةَ على أن تكون معارضة قوية، لا سيما في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن في هذا الخصوص هو: كم من الوقت سيستغرق الأمر قبل أن تصبح نافالنايا في المستوى ذاته من الأهمية والشهرة؟

لدى الدولة الروسية منذ أمد بعيد سياسة معروفة وشفافة لا تتهاون مع مَن يثيرون الشغب، أو يحاولون إرباك سياساتها، بما في ذلك المعارضون الذين يعيشون خارج روسيا. وهناك قائمة طويلة من المنشقين الروس الذين ماتوا في ظروف غامضة يصعب توجيه الاتهام فيها إلى جهة بعينها، مثل مقتل بوريس نيمتسوف، وهو عالم فيزياء ومنتقد صريح للحكومة الروسية، وقد قُتل رمياً بالرصاص في موسكو عام 2015. ومؤخراً، مات أمير الحرب يفغيني بريغوجين، الذي كان حليفاً قوياً للقيادة الروسية قبل أن ينقلب عليها في مرحلة حرجة من مسار الحرب الأوكرانية، حيث لقي مصرعه في حادث تحطم طائرة في أغسطس عام 2023، علاوة على حوادث أخرى مات فيها معارضون روس آخرون في بلدان أجنبية.

وإذا كان معظم الزعماء الغربيين يحمّلون موسكو مسؤولية موت نافالني، فإن دونالد ترامب ومؤيديه الأكثر حماساً التزموا الصمتَ بشأن هذا الموضوع. وهو موقف يعكس النزعة الانعزالية الجديدة المتنامية لدى الحزب الجمهوري الذي يعارض تقديم مزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ويطرح أسئلة بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، وأهمية العلاقة العابرة للأطلسي.

خصم ترامب الأكثر شراسة المحافظة ليز تشيني التي كانت ثالثَ أقوى شخصية «جمهورية» منتخَبة في مجلس النواب الأميركي. وترى تشيني أن ترامب خسر انتخابات عام 2020 بالفعل، وأنه كان مسؤولاً عن الفوضى التي أعقبت ذلك. وقد صوّتت لمصلحة عزله، ونتيجةً لذلك، طُردت من الحزب الجمهوري.

وتُعد تشيني واحدةً مِن العديد من مؤيدي ترامب السابقين الذين عقدوا العزم على الحؤول دون إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل، وهي قلقة بشكل خاص بشأن رفض ترامب التعبيرَ عن أي انتقاد بخصوص حادثة وفاة نافالني، وتعزو ذلك إلى «جناح روسيا في الحزب الجمهوري»، واستعداده للتخلي عن أوكرانيا والسماح لروسيا بممارسة قوتها في أوروبا. وقد أدت وفاة نافالني إلى زيادة الانقسامات داخل الحزب الجمهوري، وهو ما قد يكون له تأثير سلبي على حملة ترامب في وقت يستعد فيه الجميع لانتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر القادم.

*مدير «البرامج الاستراتيجية» بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن