نحن أمام واقع مؤلم، واقع يقتحم خصوصياتنا، وينذر بعواقب وخيمة، فبقدر التعليم والتعلم والثقافة والوعي المجتمعي، نرى الكثيرين يقعون في شباك "المتحايلين" بسهولة مفرطة حيرت معها علماء علم الاجتماع، كيف لفئات تحمل من العلم والثقافة أن تقع في براثن المتحايلين؟ والأكثر غرابة ودهشة أن المملكة بأجهزتها المختلفة تبث البرامج التوعوية في كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ونجد تفاعلاً شعبياً معها، ورغم ذلك تتزايد حالات التحايل، ويتزايد أعداد الضحايا على مختلف أعمارهم ومؤهلاتهم العلمية والثقافية، وكأن المتحايل يحمل عصا سحرياً، بمجرد الإشارة لضحيته، يقع في الفخ، وتحدث الطامة الكبرى بالاستيلاء على مدخراتهم في البنوك بكل سهولة ويسر.
إن بديهيات العمل التوعوي تقول تأكد من المصدر الذي يتواصل معك، حتى وإن كانت لديه معلومات شخصية دقيقة وعملية ومصرفية عنك، حتى على شاشات الصراف الآلي تجد رسالة واضحة تقول: "لا تبح بمعلوماتك المصرفية لأي أحد، وأن البنوك لا تطلب منك أرقاماً سرية لتحديث معلوماتك"، فكيف نتغاضى عن كل ذلك وننساق وراء أوهام وأكاذيب، تسلبنا حقوقنا في ومضة عين.
يؤسفني أن أقول إن الثقة المفرطة في الآخرين، والعاطفة الدينية، وتصديق ادعاءات الآخرين والغرباء، من سمات المواطن السعودي، التي توقعه في براثن كل محتال دون بذل مجهود كبير، إضافة لانخفاض مستوى الوعي بأساليب التحايل السيبراني والمالي، وعدم التعامل بجدية مع الأمور المالية، وأخذ الحيطة والحذر، ففي كثير من الأحيان يكون سوء الظن من حسن الفطن، لأن الثقة الزائدة في الآخرين تعد بوابة رئيسة لمساعدة المحتالين للوصول إلى أهدافهم، خاصة في منطقتنا العربية، والمملكة على وجه التحديد، فيجب على عملاء البنوك المحافظة على سرية بياناتهم المصرفية ومعلوماتهم الشخصية وعدم إفشائها للآخرين، واتخاذ الحيطة والحذر من التجاوب مع الأشخاص الغرباء أو الاتصالات المشبوهة، التي تسعى للحصول على معلوماتهم.
إذا كنا نلقي باللوم على أنفسنا، فيجب أن نعرف كيف يحصل المتحايلون على المعلومات الخاصة بالمواطنين والوافدين المختارين لعملية النصب السيبراني؟ يجب أن نعرف كيف تتسرب المعلومات ومواجهة ذلك بحزم وقوة.
نعلم أن المجتمع السعودي يتوجه إلى الاستخدام الإلكتروني للتعاملات المصرفية، لذا يجب أن يتم فرض نظام واضح وقوي يتبنى معايير أمان عالية وموثوقة، مع أن المصارف والبنوك السعودية تستخدم المعيار الثنائي للتحقق من هوية أصحاب الحسابات، كأحد أهم المعايير التي تضمن إتمام العمليات المصرفية بطريقة آمنة تحفظ الحقوق.
ومن الجهود التي يقوم بها البنك المركزي السعودي، توفير برامج تدريبية مكثفة ومتخصصة لمواجهة الهجمات السيبرانية والاحتيال المالي لكوادره في جامعة كمبردج البريطانية، ضمن مبادرة وطنية تأتي وفقاً لمستهدفات رؤية المملكة.
إن العالم كله يعاني من الاحتيال المالي، وندلل على ذلك بحجم الخسائر المترتبة على عمليات الاحتيال المالي على المستوى العالمي بما يقارب 3.5 تريليونات دولار سنوياً، وهذا الرقم يعادل 5 % من دخل الاقتصاد العالمي.
إن تلك النسبة تبقى مصدر قلق عالمي بالنظر إلى حجم الخسائر المالية الجسيمة المترتبة على حقوق ومدخرات عملاء المصارف في بلدان العالم، لذا يجب أن تتكاتف الجهود للتصدي لأساليب التحايل المالي، التي لا تقتصر على العمليات المصرفية الخاصة بالمصارف فقط، وإنما يتعدى نطاقها ليشمل مجتمعات الأعمال العامة والفردية، والأسرة كذلك.
التعليقات