أغرقت السفينة النفطية البريطانية، أم لم تغرق في جنوب البحر الأحمر ليست هي القضية، فالحقيقة وحدها تؤكد أن السفينة اليمنية قد أغرقت، وأغرقت، وأغرقت ثلاثاً، وألف مرة بيد هؤلاء الحوثيين، ومن قبلهم «الإخوان»، مع كل ما يحدث من تصاعد في جبهة اليمن هناك مازال حديث آخر يأتي عن تسوية سياسية تقف خلفها الولايات المتحدة التي هي ذاتها من تقود تحالفاً دوليّاً عسكرياً أطلقت عليه عملية «حارس الازدهار» ومقاربة مشوشة لتسوية سياسية مشوهة، ولا نريد أن نصفها بالمشبوهة، كل هذا التصعيد الأكثر سخونة والمهدد لأمن الملاحة الدولية في مرحلة اقتصادية عالمية تشتكي ضعفاً من بعد التعافي من جائحة كورونا، وارتباك سلاسل التوريد، مع زيادة معدلات التضخم لتأتي هجمات «الحوثيين» لتُضاعف من أزمات الأسواق وتفرض أزمة لم تكن لتحدث أصلاً لو لم تكن هناك مقاربة أميركية خاطئة في عهد أوباما، الذي كان يرى في أحزاب الإسلام السياسي أنها جماعات بديلة عن النظم السياسية في الشرق الأوسط. مشكلة اليمن، وحتى مع إعادة تصنيف «الحوثيين» جماعة إرهابية في القائمة الأميركية أنها تبقى في دائرة مقاربة سياسية تقوم على غياب تصورات ما بعد الأزمة الطارئة.

خطأ حدث في مقاربة نقل السلطة في المبادرة الخليجية عام 2011 عندما اعتبرت أحزب الإسلام السياسي (الحوثي وحزب الإصلاح) أنها مكونات سياسية وطنية، ثم هي التي فجرت المسار السياسي في مؤتمر الحوار الوطني. ما حدث في تلك المرحلة تكرر في مراحل متوالية أنتج في نهاية المشهد هذا الواقع السياسي المتشابك والمعقد للغاية، أهمية النظر إلى النهايات الطرفية للمعالجات هي السبيل الأوحد لعدم تكرار الأخطاء، والأهم في هذه المرحلة الاعتبارات القائمة، وأن هناك خطأ فادحاً قد تذهب له دول شبه الجزيرة العربية كونها المعنيّة الأقرب لليمن.

الخطر المزدوج في شرعنة جماعات الإسلام السياسي في هذا الجزء الجغرافي سيؤدي إلى أن تكون الجغرافية اليمنية حاضنة للأفكار الراديكالية المتعصبة، دينياً وطائفياً، هذا الخطر ذاته كان موجوداً منذ سيطرة الشمال على الجنوب من بعد حرب صيف عام 1994 ومنه ظهر تنظيم «القاعدة» في شبه جزيرة العرب، وكذلك قضية دماج في صعدة التي أنتجت صراعاً مذهبياً امتد من قرية صغيرة إلى كل اليمن، ومع كل ما مضى ثمة إصرار على تمكين القوى الإيديولوجية من السلطة السياسية باعتبارها قوى ذات مرجعية وطنية.

ما كان قد قال عنه المبعوث الأممي «هانز غروندبرغ» أنها خريطة طريق للتسوية السياسية، وأن الأطراف اليمنية وافقت عليها وكانت تتأهب للتوقيع عليها من المبدأ كانت مساراً لشرعنة جماعة «الحوثي» شمالاً، ومنح «الإخوان» حضرموت والمهرة جنوباً، وإن كانت الخارطة هي توافق على نقل الملف اليمني من التحالف العربي إلى الأمم المتحدة بعد ما يزيد على عشرة أعوام حاول فيها الإقليم الوصول إلى حلول للأزمة اليمنية، غير أنه لم ينجح في ذلك، والخطأ ارتُكب في المبادرة الخليجية، وتراكمت من بعدها الأخطاء، وتعقدت الأزمة أكثر مما كانت عليه.

الواقعية تفرض النظر إلى أن «الحوثيين» الذين أظهروا أنهم القوة الأكثر شراسة وجرأة من أذرع إيران الباقية لا يمكن معهم أن تنجح عملية التسوية بالآلية المطروحة على الطاولة.

هذه الواقعية تفترض وضع مقاربة أخرى تراعي فيها ضمان وضع حدّ لمخاطر أن ترهن مصالح العالم بجماعات إرهابية، لا معنى لكافة المبررات التي تعطي الحق للحوثيين شمالاً و«الإخوان» جنوباً، فالمتاح تمكين قوى وطنية جنوبية تحمل مشروعاً بقيم وطنية قومية ليبرالية تكون رادعاً لكل القوى الإسلاموية، على أن يتم تمكينها، سياسياً واقتصادياً. وما كان في شبه الجزيرة الكورية يمكن أن يكون في جنوب شبه جزيرة العرب، مع نشر قوات دولية لحفظ السلام، أما الرهان على أصحاب عمائم فلن ينتج إلا «يمنستان»، وما أدراك ما «يمنستان».