الحروب ليست واحدة عبر جبهة الجنوب، وإن كان طرفاها نفسيهما: «حزب الله» والعدو الإسرائيلي. حرب إسناد «حماس» في حرب غزة بكل ما فيها من تبادل قصف، شيء، والحرب التي تهدّد بها حكومة نتنياهو، ولو بدأت هدنة في غزة وتوقّف القصف من الجنوب شيء آخر. الأولى مرتبطة باستراتيجية إيرانية تمسك بورقة فلسطين ضمن مشروعها الإقليمي، وتعبّر عنها «وحدة الساحات»، وهي مجال خلاف بين اللبنانيين من باب خشية أكثرية وازنة من توريط لبنان المنهك في لعبة خطرة أكبر منه. والثانية هي حرب تدميرية على لبنان كلّه، وبالتالي فإنّ التضامن الوطني ضد العدوّ يشمل جميع اللبنانيين.

والبديل من الحربين ليس الحلّ الجزئي الذي تطرحه الديبلوماسية الأميركية لتطبيق شيء من القرار 1701 ضمن مساحة محدودة في الجنوب مع وعود تتعلّق بالحدود الدولية البرية بل الحلّ الشامل الذي تتحدث عنه بيروت الرسمية بموافقة «حزب الله» في الظاهر. وهو تطبيق القرار 1701 بكلّ مندرجاته وبما يشمل لبنان وإسرائيل، وإظهار الحدود البرّية والانسحاب الإسرائيلي من خراج قرية الماري ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. الحلّ الجزئي مجال أخذ وردّ، وأي كلام عليه هو افتراضي في انتظار أن تنتهي حرب غزة. والحلّ الشامل صعب جداً، ولو توقّفت حرب غزة، أقلّه بالنسبة الى الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ووقف الخروق الجوية الإسرائيلية، والتطبيق الكامل للقرار الدولي.

وهذا بالطبع على افتراض أن العمل للتسوية محصور في إطار طرفي الحرب، والحرص على تجنيب لبنان خطراً كبيراً عليه كما على اليونيفل واللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين. لكنّ الصورة تختلف، بحيث يلوح ضوء في نهاية النفق، إذا كانت هناك فرصة جدية لصفقة أميركية - إيرانية يقال إن محادثات غير مباشرة تدور حولها في عُمان وسواها. والخطر الأكبر الذي يعجن المنطقة، لا فقط يخلط الأوراق، هو أن تتمكّن حكومة نتنياهو من توريط واشنطن في حرب شاملة مع طهران، عبر شنّ حرب على لبنان، كما وسط التصعيد الخطير في المنطقة. تصعيد الفصائل العراقية المرتبطة بالحرس الثوري ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا، والتلويح بمرحلة أوسع تمتدّ الى دول عربية أخرى على أرضها قوات أميركية. وتصعيد حرب البحر الأحمر، حيث قصْفُ الحوثيين السفنَ العابرة وتهديد حرية الملاحة والقصف الأميركي- البريطاني لقواعد الحوثيين مع اتّهام إيران بأنها تقدّم لهم السلاح والمعلومات.

والسؤال في لبنان، قبل كل ذلك ومعه وبعده، هو: الى أين يريد «حزب الله» الصعود؟ هو عملياً وضع بقيّة السلطة على الهامش، وترك لرموزها تأييد خطواته وإتباع الموقف الرسمي بموقفه واستقبال الموفدين العرب والغربيين. وهو، كما بات يعرف الغرب والشرق، المفاوض الفعلي عن لبنان وصاحب القرار في كل سياساته، لا فقط في قرار الحرب والسلم. وهذا يفتح فرصة وخطراً في الوقت نفسه. فرصة للاعتراف بدوره ودفع ثمن أي تسوية له، بحيث يكون مقابل التراجع عن متر في الجنوب التقدّم أمتاراً على طريق بعبدا مع السيطرة على البرلمان والحكومة وبقية المؤسسات. أما الخطر، فإنه الاقتناع الداخلي والخارجي بأن إعادة لبنان الى وضع طبيعي على طريق الحل تتطلب خطوة كبيرة تنهي سلاح «حزب الله» ودوره الإقليمي.

وليس أمراً قليل الدلالات قول ويليام بيرنز مدير المخابرات المركزية الأميركية في «فورين أفيرز»: «نادراً، خلال تجربتي على مدى 40 عاماً في الشرق الأوسط، ما رأيته أكثر تشابكاً أو انفجاراً. ومفتاح أمن إسرائيل هو التعامل مع إيران المستعدة للقتال حتى آخر وكيل لها وتوسيع برنامجها النووي».