هل فكّر اللغويّون العرب، غير المنتمين إلى مؤسسات أو منظمات رسمية، في إحداث حركة مدويّة في تاريخ العربية؟ ما الذي يمكن أن يترك في دنيا لغتنا «دويّاً كأنّما... تَداولَ سمعَ المرء أنملُهُ العشرُ»؟ إذا أرادوا أن يتوكّلوا، فلا نسألهم غير تبسيط القواعد، حتى لا يكون الطلب سلبيّاً، متواكلاً، فضفاضاً، نقرن السؤْل بالخطة العملية.

أمّا لماذا استثنينا علماء اللغة العاملين في جهات رسمية، فلأن تلك المؤسسات برهنت على مرّ العقود، على أنها وادٍ غير ذي زرع، ولو أرادوا أن يفعلوا شيئاً، لفعلوه منذ أمد بعيد. أغلب الظن أنهم في متاهة حائرون، كأنهم يقولون: قضية التبسيط مثارةٌ منذ الجاحظ، حتى القرن العشرين، فلماذا لم يتحرك أحد لتنفيذ التبسيط، ولماذا علينا نحن تحمّل التبعات؟

في هذه القضية، يمكن القول: إن «الحلال بيّن والحرام بيّن». ثمة دعاة في آرائهم حصافة ورصانة، من بينهم الجاحظ، الذي دعا إلى عدم تعليم الصبيان من النحو، إلاّ ما يفيدهم في حياتهم اليومية. ثم شهد القرن السادس الهجري رائدين كبيرين في المطالبة بالتبسيط: ابن مضاء القرطبي، الثائر على النحو في كتابه: «الرد على النحاة»، وفيه سخريات لاذعة، وابن رشد في كتابه: «الضروري في صناعة النحو».

أمّا في القرن الماضي فالدعاة يعدّون بالعشرات، سوى أنهم في الأقل فريقان، فريق معتدل مثل شوقي ضيف، طه حسين، وحتى العراقي على الوردي. وفريق آخر «رؤوسهم حامية» مثل توفيق الحكيم، الذي دعا إلى إلغاء النحو كلّه. خير ردّ عليه كان أن يؤمر بتشكيل لجنة يترأسها بنفسه، ليرينا كيف تكون مناهج تعليم العربية بلا نحو وصرف. وطالب آخرون مثل سعيد عقل وسلامة موسى، باستخدام الحروف اللاتينية بدلاً من العربية. الطريف هو أن أحلام الطرفين لم تتحقق.

الحل؟ اضطلاع لفيف من اللغويين المقتدرين، الذين ينفرون من الجمود، ويغارون على لغتهم من غوائل التحولات العالمية، يصممون على العمل بأناة وتخطيط سليم، يعمدون إلى جمع كل ما كتب في المؤلفات الداعية إلى التبسيط، من توصيات الجاحظ إلى عصرنا، يضعون قائمة علمية متكاملة لكل مفيد نافع، وينتهون إلى تأليف كتاب في النحو الصافي. ثم يعرضون المنتج النهائي على الرأي العام العربي، في الفضائيات، بحضور علماء من مجامع اللغة العربيّة، وخبراء تربويين من واضعي مناهج العربية.

لزوم ما يلزم: النتيجة التيسيريّة: قبل تبسيط القواعد، نسأل الله أن نكون قد توصلنا إلى تبسيط المهمّة.