حلّ شهر رمضان المبارك، وفشلت كل المساعي للاتفاق على هدنة في قطاع غزة، وبالتالي فإن الحرب مستمرة هناك. ومن يعتقد أن إسرائيل، التي يتحكم بقرارها اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو وصدمة عملية "طوفان الأقصى" في المجتمع، ستحجم عن اجتياح مدينة رفح يكون مخطئاً. فالخلاف بين إسرائيل وحلفائها في الغرب بشأن اجتياح آخر معاقل حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية في رفح لا يتعلق بالفكرة نفسها، بل بأسلوب الاجتياح، وأن تحرص إسرائيل على التقليل من الخسائر بين المدنيين. وللأسف هذا لن يحصل. فإذا شنت إسرائيل عملية على رفح ستكون الكلفة البشرية بين المدنيين هائلة، أقله بسبب الكثافة البشرية الضخمة الاكتظاظ في مربع ضيق للغاية، حيث يستحيل تجنيب المدنيين النيران، وخصوصاً أن الفصائل ستقاتل بشراسة لا حدود لها فيما ظهرها للحائط. ثمة تقديرات في الأوساط الدبلوماسية الغربية في بيروت تشير إلى أنه يمكن تجنب معركة رفح باتفاق يلحظ، في ما يلحظ، خروج القيادة العسكرية لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والفصائل المقاتلة الأخرى، وتسليم حكم القطاع لحكومة غير فصائلية برعاية دولية، تكون مهمتها الأولى بالتزامن مع تكثيف أعمال الإغاثة الإنسانية تحويل غزة إلى قطاع منزوع السلاح. لكن دون هذا الاتفاق حتى الآن رفض "حماس" "فكرة" الخروج، ونزع السلاح.
والسبب وفق المصادر الدبلوماسية المشار إليها أن حركة "حماس" في غزة لا تزال تعتقد أن ثمة تطوراً كبيراً سيحصل في الفترة المقبلة من شأنه أن يغير قواعد التفاوض على "اليوم التالي" في غزة. فجبهة لبنان مرشحة لأن تشكل الرافعة التي تتطلع اليها الفصائل الفلسطينية في غزة، وخصوصاً أن الجبهة المشتعلة منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بدأت تشهد مضاعفات خطيرة. فالمواجهة التي أرادها "حزب الله" محدودة تكاد تخرج عن السيطرة.
وسبق للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين أن قال خلال زيارته الأخيرة للبنان إنه لا يوجد شيء اسمه حرب محدودة، لأنه يستحيل أن تبقى كذلك. وكان هوكشتاين يؤشر بكلامه هذا الى مرامي الذراع الإيرانية في لبنان والخطأ في الحسابات. والدليل إلى صحة كلام آموس هوكشتاين أن حرب "المشاغلة" توسعت، وبلغت نيرانها مناطق بعيدة جداً من الجبهة التقليدية بين "حزب الله" وإسرائيل عند الحدود المشتركة جنوباً. فقد تكررت الغارات الإسرائيلية على أهداف لـ"حزب الله" في منطقة البقاع، بما يعكس كسراً واضحاً ومعلناً لقواعد الاشتباك التقليدية. والسؤال هنا، هل يرفع "حزب الله" من وتيرة حرب "المشاغلة" ليلاقي التصعيد الإسرائيلي؟ وهل يصب توسيع الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل في مصلحة تحسين وضعية حركة "حماس" والفصائل في قطاع غزة، بما
يمنع اجتياح رفح؟
السؤالان دقيقان جداً. والسبب أن ثمة وجهة نظر دبلوماسية عربية متداولة تفيد بأنه من الوهم بمكان الجزم بأن "حزب الله" ومن خلفه ايران لن يستغلوا التصعيد الإسرائيلي من أجل رفع وتيرة المواجهة الى حافة الحرب الشاملة، في سعي لتحقيق انتصار معنوي، بناء على قراءة تفيد باندفاع المجتمع الدولي الى ممارسة مزيد من الضغوط على تل أبيب لإنهاء العمليات الكبرى في غزة مخافة اشتعال الحرب الإقليمية الكبرى. إذا صحّت هذه القراءة يمكن توقع اشتعال الجبهة اللبنانية في الأيام القليلة المقبلة بوتيرة أعلى وأخطر بأشواط من التي سادت في الأشهر الخمسة الماضية.
التعليقات