كل ما يتخذه المجتمع الدولي من إجراءات لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة، وخصوصاً إلى شماله، يبقى قاصراً عن إزاحة كاهل الكارثة الإنسانية التي تعتبر الأسوأ في القرن الحادي والعشرين.

الجميع في عجز مطلق أمام رفض إسرائيل إدخال المساعدات براً. الولايات المتحدة وأوروبا ودول عربية تفتش عن وسائل للالتفاف على القرار الإسرائيلي باستخدام الجوع سلاحاً، للضغط على حركة "حماس" لإطلاق الأسرى الإسرائيليين لديها.

إلقاء المساعدات من الجو ليس خياراً ناجحاً. قسم كبير من صناديق الغذاء التي تسقط بواسطة المظلات ينتهي مصيرها في عرض البحر، والقسم الآخر لا يسد الاحتياجات بالحد الأدنى. وخمسة فلسطينيين قتلوا الخميس بسبب سقوط صناديق على رؤوسهم، لأن المظلات التي تحملها لم تفتح كما هو مقرر، فتحولت إلى ما يشبه الصواريخ.

الجسر البحري الذي قرر الجيش الأميركي إنشاءه يحتاج إلى أسابيع كي يكون جاهزاً. في هذه الأثناء يجري التعويل على بدء الجسر البحري الذي أنشأته دول أوروبية وعربية من لارنكا في قبرص إلى غزة، لأنه يبدو أسرع من الناحية العملية.

ومع ذلك، تبقى كل المساعدات معرضة للعرقلة ما لم يكن هناك وقف للنار يتيح للسكان الذين يتضورون جوعاً عدم التعرض للنيران الإسرائيلية، كما حصل مراراً في الأيام الأخيرة. والتوصل إلى وقف للنار، هو الشرط الضروري لإمرار المساعدات ووصولها إلى القطاع. وهذا أمر لا يزال مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بالمفاوضات الجارية في القاهرة والدوحة وباريس.

وهنا يأتي دور إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في ممارسة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول بوقف للنار، تمهيداً لفتح المسار السياسي في الشرق الأوسط. لأن البديل سيكون حرباً شاملة تدخل المنطقة في نفق سيكون من الصعب الخروج منه.

ويتعرض بايدن نفسه لضغوط حثيثة من الجناح اليساري في الحزب الديموقرطي، كي يقدم على قرارات تحمل إسرائيل على الامتثال للمطالب الأميركية. والتصويت الاحتجاجي في الانتخابات التمهيدية في ولايات ميشيغن ومينيسوتا وماساشوستس، يفترض أن يكون قد أوصل رسالة إلى بايدن مفادها أن المضي في سياسة الدعم المطلق لإسرائيل، قد يفضي إلى خسارته الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس السابق دونالد ترامب في تشرين الثاني المقبل. ومعظم الاستطلاعات تظهر تقدم ترامب في الولايات المتأرجحة التي تقرر نتيجة الانتخابات.

لم يعد بايدن يملك ترف الوقت، كي يعاجل إلى تحرك جدي يجمل إسرائيل على القبول بوقف النار. ومن الأهمية بمكان أيضاً سلوك كل السبل الآيلة إلى تقديم المساعدات الغذائية لأكثر من 750 ألف فلسطيني يواجهون خطر الموت جوعاً، بينما بقية سكان القطاع مهددون بنزوح ثانٍ وثالثٍ ورابعٍ، إذا هاجمت إسرائيل رفح.

من المفهوم أن مشاعر الاستياء تتصاعد بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكن هذا لا يترجم في توجه سياسي أميركي حازم حيال إسرائيل، مع استمرار تدفق الأسلحة الأميركية إلى تل أبيب، بينما من الممكن أن يؤدي إجراء من نوع تأخير بعض الشحنات أو وقفها إلى تليين الموقف الإسرائيلي من وقف النار. وجورج بوش الأب هدد عام 1991 بوقف ائتمانات القروض لحمل رئيس الوزراء الإسرائيلي عامذاك إسحق شامير على القبول بالذهاب إلى مؤتمر مدريد للسلام.

إذا لم يبادر بايدن في أسرع وقت إلى فرض وقف للنار، فإن حرب غزة من المرجح أن يمتد سعيرها إلى جبهات أخرى في المنطقة لا تزال ضمن السقف المضبوط حتى الآن، مع إمكان تورط أميركي مباشر.

وبالعودة إلى البداية، فإن المساعدات الإنسانية أكثر من ملحة ومطلوبة للفلسطينيين في غزة. لكن الأهم من كل ذلك توفير وقف عاجل للنار الآن.