من أبرز أخبار العالم خلال الأسبوع الماضي إقرار مجلس النواب الأمريكي، بأغلبية ساحقة، مشروعاً يجبر تطبيق «تيك توك» على الانفصال عن الشركة الصينية المالكة له تحت طائلة حظره في الولايات المتحدة، والمتوقع كما ينبئ سيناريو التصعيد أن يقر مجلس الشيوخ هذا التشريع ليصبح نافذاً، وبالتالي سوف تعتقد أمريكا أنها نجحت في حسم مساعيها الطويلة للاستحواذ على التطبيق الصيني الذي سبب لها صداعاً مزمناً.
المشكلة الأكبر في هذه القضية التي أوصلتها أمريكا الى أعلى مستويات السلطة أن الذرائع التي تتحجج بها، والمخاوف التي تتوجس منها، والاتهامات التي توجهها الى التطبيق بتوظيفه واستغلاله من قبل الحكومة الصينية، هي نفس الذرائع والمخاوف والاتهامات التي يمكن توجيهها إلى أمريكا التي نشأت فيها تطبيقات وتقنيات قبل تيك توك بفترة طويلة، مثل فيسبوك وتويتر وانستغرام وغيرها التي يستخدمها كل العالم، وتتوفر لديها كل معلومات المستخدمين وأنماط توجهاتهم وسلوكياتهم، ومن خلالها تتمكن من توفير أكبر مستودع للمعلومات عن مجتمعات العالم يمكن توظيفه لخدمة السياسات والاستراتيجيات الأمريكية في كل مجال، والأمر ليس مقتصراً على التطبيقات المذكورة آنفاً، بل إن أجهزة الآيفون التي يحملها الناس في كل مكان، ومحرك البحث قوقل وخرائطه، تعرف أدق التفاصيل الشخصية والعامة، كما أنه ليس خافياً كيف سيّست أمريكا تطبيق فيسبوك خلال ما سمي بالربيع العربي، وكذلك تويتر بعد مجيء الرئيس بايدن والديموقراطيين الى السلطة ضد الرئيس السابق ترمب، كما لا ننسى توظيفها في الحرب الروسية الأوكرانية القائمة؛ أي أن الاتهامات غير المؤكدة التي توجهها أمريكا للصين، هي الممارسات المؤكدة التي قامت بها أمريكا بشكل أو بآخر تجاه دول أخرى وفي داخلها.
ما حقيقة الأمر إذاً.. الجواب بسيط وواضح، هو حرب المعلومات بين أمريكا والصين. أمريكا لا تريد لأي دولة أن تنافسها في الاستحواذ على بيانات العالم لأنها الذخيرة الأهم والأخطر لديها. الصين أصبحت تمثل تحدياً حقيقياً مقلقاً لأمريكا في الصناعات المختلفة المتفوقة، ولكن يمكن لأمريكا أن تتعايش مع هذه الحقيقة وتخطط وتناور على المدى الطويل كي تتفوق أو على الأقل تبقى نداً منافساً، لكنها فقدت صوابها عندما أدركت أن الصين بدأت تدخل على خط المنافسة في امتلاك البيانات والمعلومات.
دعونا نتابع مسرحية تيك توك، ونرى كيف يكون فصلها الأخير.
التعليقات