من أجمل تجوالات القراءة إن جازت العبارة، ذلك التجوال المركز البطيء في متون القواميس والمعاجم والموسوعات: موسوعة الأفلام الروائية في مصر والعالم العربي مثلاً، معجم الأدب – الصيني، موسوعة سينما وأعلام في 100 عام، لكن التجوال الأجمل أراه في (الصحاح)، ذلك السفر الذي كلّما تجولت فيه عدت إلى النقطة الأولى: (أريد المزيد..).

أتجوّل اليوم في «موسوعة الأساطير العالمية»، ولكن وراء هذا التجوال سبب موضوعي ومنطقي كما يقولون، ففي كل عام فرضت على نفسي تقليداً صار عادة منذ خمس سنوات سابقة، إذْ أتأكد من ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب، فأحشد منذ اللحظة قراءات عدة على شكل أفقي في آداب وفنون وفلسفات الدولة الضيف على المعرض، ليتحوّل الأمر من عادة إلى شغف، ومن شغف إلى التزام.. هذا العام تحل اليونان ضيف شرف دورة 2024 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، أي إنك في محيط بل محيطات من الثقافة والفكر والأدب في دولة متوسطية هي الرحم الأولى للفلسفة والأسطورة.. لذلك، أمامي الآن «موسوعة الأساطير العالمية».. وضعها الباحث والمترجم السوري عالي الثقافة حنّا عبّود، وصدرت طبعتها الأولى في عام 2018 عن دار الحوار للنشر والتوزيع.

يشير حنّا عبود إلى نقطة مهمّة في مقدمته للموسوعة، تتصل بالعلاقة بين الأسطورة والتاريخ.. يقول: «.. كانت الأسطورة قديماً تقوم مقام التاريخ، ولكنها ليست تاريخاً بالمعنى الذي وضعه «هيرودوت». إلاّ أن المؤرّخين حتى اليوم يعودون إلى الأساطير لمعرفة التاريخ القديم، ولم تستطع مبادئ هيرودوت التاريخية أن تمنع الأسطورة من التدخل، فظلت تشوب الكثير من الشخصيات والأحداث التاريخية..».

أضيف هنا، إلى ما قاله حنّا عبود أن كل تاريخ إنما، ينطوي على أسطورة أو مجموعة أساطير. قائد عسكري أو روحي بطل في حرب كبيرة ما يمكن أن يتحوّل إلى أسطورة، لا بل إن فكرة الأسطورة أو مفهومها يمكن أن يلتبس أيضاً مع فكرة (البطولة) مثل الالتباس أو الاقتراب مع التاريخ.

.. ومن كتب تاريخ طروادة أو (إيثاكه) في (الإلياذة)؟؟ هل هو (هوميروس) الشاعر.. أم (أوبلوتارخس) المؤرخ؟ وإن كان التاريخ في حاجة دائماً إلى الشاعر وإلى المؤرخ معاً، كما هو التوثيق دائماً في حاجة إلى الأدب.

تقع «موسوعة الأساطير العالمية» في حوالي 900 صفحة من القطع الكبير تضم أعلاماً وشخصيات ورموزاً دينية وميثولوجية وأدبية وعسكرية من الشرق والغرب والشمال والجنوب ضمن شبكة هائلة من المعلومات المكثّفة.

.. واليونان، في حالة القراءة هذه بيت الأسطورة.. حتى الفلاسفة من لحم ودم تحوّلوا إلى أسطورة، هل تنفي ذلك عن سقراط وأرسطو وأفلاطون، وماذا عن سوفوكليس؟، وايسخيلوس، وديونيسوس،.. وإلى آخر هذه (السّينية) اليونانية التي ستضيع في بحرها مثلما ضاع (عوليس)، ولكنه، أخيراً، عاد إلى إيثاكه...