من حق أوروبا أن تنشغل بالأزمة الأوكرانية، بعد أن تحولت كييف إلى خط الدفاع الأول عنها، لكن مشكلة صانع القرار الأوروبي أنه بات مرتبكاً وغير قادر على معالجة الأزمة بوسائل أخرى تلبي مصالح كل الأطراف، بفعل ما يعتقد أنه «فوبيا روسية» تهيمن على القارة.

ومن دون أدنى شك، فإن انتصار روسيا وهزيمة كييف في الأزمة الأوكرانية سيعيد خلط الأوراق، ويعيد صياغة الأمن الأوروبي على أسس جديدة، وقد يكون العكس صحيحاً بالنسبة لصانع القرار الأوروبي. لكن الإدراك الأوروبي لاستحالة هزيمة روسيا وعدم الرغبة في انتصارها في آن، يدفع الأوروبيين إلى التخبط، وأحياناً إلى الانقسام، كما نرى في تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد في مقابلة صحفية، مؤخراً، أن انتصار روسيا «سيقضي على مصداقية أوروبا». هكذا اقترح ماكرون متعجلاً إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، ما أثار جدلاً أوروبياً وفي داخل فرنسا نفسها، وأظهر المواقف المنقسمة بين دول الاتحاد، خصوصاً بالنسبة لألمانيا التي رفضت بشدة إرسال قوات أو حتى صواريخ بعيدة المدى، ما اضطر ماكرون إلى التراجع واقتراح إنشاء «تحالف للضربات العميقة» يكون «مفتوحاً للجميع وفقاً لقدراتهم ووسائلهم».

وهكذا استفاق الاتحاد الأوروبي فجأة وقرر تقديم خمسة مليارات دولار مساعدات لأوكرانيا، خصوصاً بعد تعثر صفقة المساعدات الأمريكية البالغة 60 مليار دولار في الكونغرس. قد تكون الصحوة الأوروبية، التي تأتي في ظل تعثر الدعم الأمريكي، والواقع الميداني في أوكرانيا، الذي يتطور لصالح روسيا، وافتقار الجيش الأوكراني للذخائر الكافية والأسلحة الأكثر حداثة، هي نوع من محاولة انتزاع زمام المبادرة، والظهور بموقف موحد ومستقل في مواجهة روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية.

لكن هذه المحاولة لا تبدو أنها كافية لإثبات الذات، إذ إن الوحدة الأوروبية التي لطالما استندت إلى ألمانيا وفرنسا، في العقود الأخيرة، للخروج من تحت المظلة الأمريكية، لم تعد كذلك في عهد ماكرون وشولتس. كما أنها ليست كلمات عابرة وفق ما جاء على لسان رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، بأنها قائمة بالفعل بين داعمي أوكرانيا، وأنه ينبغي «تعبئة أوروبا بأسرها» لتوفير مساعدات تحتاج إليها كييف بشدة. ولكن المسألة ليست سهلة، إذ، على سبيل المثال، بينما يدفع الاتحاد الأوروبي نحو تعزيز إنتاج الأسلحة والذخيرة في دوله، اكتشف أن روسيا وحدها تنتج ثلاثة أضعاف ما تنتجه دول الاتحاد مجتمعة.

وبالمحصلة، لا يبدو أن دعوة ماكرون إلى هزيمة روسيا باعتبارها «ضرورية للأمن والاستقرار في أوروبا»، تحمل إمكانية واقعية، أولاً لكون روسيا دولة نووية ولن تقبل بالهزيمة، وثانياً لأن الواقع الميداني مغاير لرغباته، لكن يبدو أن الأهم من ذلك كله، هو التخلص من «الفوبيا» الروسية، وبدلاً من التصعيد وحشد الدعم، يجب الذهاب إلى طاولة التفاوض والبحث عن حلول تلبي مصالح جميع الأطراف، وتضمن لأوروبا أمنها وازدهارها.