ليس من قبيل المدح الزّائف، أو التزلّف اللّزج؛ القول بأنّ رؤية المملكة 2030، التي أعلنت عنها قيادتنا الرشيدة في العام 2016؛ تمثّل الانعطافة الأكثر أهمّية وتأثيراً في بنية المجتمع السعودي، في واقعه المعيش والمعاصر، ومردّ ذلك لجملة أسباب، من بينها:

• شمولية «الرؤية» وتنوّع مساراتها، وعدم اقتصارها على جانب دون آخر؛ حيث أُحكمت فصولها لتصبح إستراتيجية للنّهضة الشّاملة، وفق رؤى وأفكار خبراء ومختصّين، تحت قيادة وإشراف وتوجيهات ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله.

حيث غطّت الرؤية عدّة مسارات من أهمها: الاقتصادي، والاجتماعي، والتعليمي، والثقافي، والرياضي، والبيئي.

• اتّساع المدى الزّمني وانفساحه أمام الرؤية لتنزيل برامجها وإستراتيجياتها ومستهدفاتها؛ إما عبر التحوّل الآني المباشر، أو التحوّل التدريجي الممرحل.

• توفير المعينات المادية واللوجستية لتنفيذ الرؤية، ومتابعات الآليات العاملة في ذلك، ومراجعة التداعيات وتقويمها بشكل مستمر وممنهج، مع استنهاض روح الحيوية بعيداً عن مساقط البيروقراطية، وتكلّس الاعتياد، المفضيين إلى الترهّل وفقدان الحماس الفوّار، والحيوية الضّاجة بالحياة والإنجاز.

• اتّساق مسارات وخطوط الرؤية؛ بحيث تعمل جميعها في نسق ومنظومة متكاملة، وليست أرخبيلاً من جزر معزولة عن بعضها.

• إيلاء موضوع تعزيز القيم والأخلاق والسلوكيات الحضارية مساحة مقدرة في «الرؤية»، بما يمثّل ركناً مهمّاً وأساسياً في إستراتيجياتها، والتأكيد المستمر على أنّ «الاستمثار في الإنسان» هو جوهر «الرؤية» وغايتها الأسمى والأعلى.

• إفساح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في عملية التحوّل المنشود، بغية إحداث نقلة نوعية في مختلف القطاعات، وذلك عبر إعادة هيكلة بعض برامج الرؤية واستحداث أخرى جديدة بما يسهم في تحقيق «الرؤية» على أكمل وجه.

وبالنظر إلى كلّ هذه الأسباب المشار إليها آنفاً، سأحاول – ما استطع – في سلسلة من المقالات تتبع أبرز ملامح هذه الرؤية المباركة في عدة قطاعات، وما أُنجز خلال هذه الأعوام الفائتة، وما هو متوقع لاحقاً. وليكن المبتدأ من نظرة «الرؤية» لموقع الإنسان السعودي، وقد أكدت على أن «الاستمثار في الإنسان» غايتها الأسمى والأعلى، حيث يمكننا إدراك ذلك بالنظر إلى برنامج تنمية القدرات البشرية، الذي أطلق في 15 سبتمبر 2021 ضمن منظومة الرؤية المتكاملة، فهذا البرنامح يمثل بنظري حجر الزاوية في الرؤية، بأفقه المتراحب، ونظرته الشمولية، ومخاطبته لجذور القضايا، وصياغة الحلول العلمية لها، غير مكتفٍ بالتنظير، والرؤى التي لا يناصرها الواقع، فهذا البرنامج يسعى في جوهره إلى أن يمتلك المواطن قدراتٍ تمكنه من المنافسة عالمياً، من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف.

كما يركز على تطوير أساس تعليمي متين للجميع يسهم في غرس القيم منذ سن مبكرة، وتحضير الشباب لسوق العمل المستقبلي المحلي والعالمي، وتعزيز ثقافة العمل لديهم، وتنمية مهارات المواطنين عبر توفير فرص التعلم مدى الحياة، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، مرتكزاً على تطوير وتفعيل السياسات والممكنات لتعزيز ريادة المملكة، وتجهيز جميع مواطني المملكة وتحضيرهم للمستقبل واغتنام الفرص التي توفرها الاحتياجات المتجددة والمتسارعة، على المستويين المحلي والعالمي.

كذلك ينطلق البرنامج من أهمية الاستثمار في رأس المال البشري، باعتبار العنصر البشري هو من يقود التنمية المستدامة ويجني ثمارها، وأنه إذا كان تطوير البنى التحتية والأنظمة وغيرها مهم لضمان تحقيق التقدم وتنويع مصادر الدخل، فإن تنمية القدرات البشرية الخطوة الأساسية في هذا الطريق، خاصة أن وظائف المستقبل تتطلب مهارات خاصة قائمة على التفكير النقدي والتحليل وحل المشكلات والتعليم المستمر، وهو ما يراعيه البرنامج بما يضمن لشباب وبنات الوطن العمل في أي مكان بالعالم، حيث تم إعداد وتطوير البرنامج ليلبي احتياجات وطموح جميع شرائح المجتمع، من خلال تطوير رحلة تنمية القدرات البشرية بداية من مرحلة الطفولة، مروراً بالجامعات والكليات والمعاهد التقنية والمهنية، وصولًا إلى سوق العمل والتعلم واكتساب المهارات المستمرين لمدى الحياة، بهدف إعداد مواطن طموح يمتلك المهارات والمعرفة، ويواكب المتغيرات المتجددة لسوق العمل، مما يساهم في بناء اقتصاد متين قائم على المهارات والمعرفة وأساسه رأس المال البشري؛ لذلك، شملت شرائح المجتمع المستهدفة في البرنامج الأطفال والشباب والكبار، وحدد البرنامج عناصر منظومة القدرات البشرية المنوط بهم تطبيقها بالعاملين في قطاع التعليم والتدريب، وأولياء الأمور والظهير المجتمعي، وأرباب الأعمال، والقائمين على التوظيف.

ولا يمكن قراءة ثمار هذا البرنامج ضمن مصفوفة «الرؤية» بمعزل عن برنامج التحوّل الوطني، الذي أطلق في العام 2017، وتضمن ثمانية أبعاد إستراتيجية تهدف إلى «تحقيق التميز في الأداء الحكومي وتأسيس البنية التحتية اللازمة لتحسين عوامل التمكين الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة»، وبوسع أي متابع حصيف أن يدرك مدى مساهمة هذا البرنامج منذ إطلاقه في تحقيق العديد من الإنجازات المهمة والمؤثرة في تطوير الأنظمة الحكومية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين؛ مثل: تطوير الخدمات العدلية، والارتقاء بالرعاية الصحية، وتحسين المشهد الحضري، وتطوير البنية التحتية للمملكة (إنشاء محطات لتحلية المياه المالحة وتطوير شبكة الربط التكاملية لها)، وتسهيل ممارسة الأعمال، والتوسع في التحول الرقمي والحلول التقنية، وتنظيم سوق العمل، وتمكين المرأة وزيادة مشاركتها في القوى العاملة، وتنمية القطاع غير الربحي، وتطوير القطاع السياحي، وغير ذلك مما هو ماثل للعيان، ومشاهد على أرض الواقع بحيث لا يسعه الحصر، ولا تأتي عليه الإحاطة في هذه النظرات العامة والعجلى.

ونواصل..