ليس بالضرورة أن تكون الحروب بالصواريخ والدبابات والقنابل والبنادق وسواها، سواء أتت هذه الحروب بين دولتين أو مجموعة دول، أو على شكل حروب أهلية داخل البلد نفسه، وما أكثرها من حروب في الماضي وفي الحاضر. هناك حروب من نوع آخر، لا نجزم بأنه يصحّ وصفها بالناعمة، لأنها ليست كذلك تماماً، فهي بدورها تنطوي على شحنة من العنف، خفيّة أو ظاهرة.

وقد لا نفاجأ كثيراً لو علمنا أن الألسنة أيضاً لها حروبها، بمعنى بأي لغة تنطق ألسنة الأقوام المختلفة، وما يترتب على ذلك من تباينات لها انعكاساتها على طريقة التفكير، لأننا نفكر باللغة، فما يخطر في أذهاننا من تأملات وأفكار نفصح عنه بالكلام. ويمكن أن تشتد حروب اللغات حين يشعر أبناء قوميّة أو جماعة في أي مجتمع بأن لغتهم الموروثة مهددة بالنسيان والتغييب أمام سطوة لغة أخرى هي في الغالب لغة الأكثرية في المجتمع المعني، خاصة أن اللغة تتقدم، أحياناً، على الدين في تشكيل الهوية، حين تتعدد الأديان في المجتمعات المختلفة، ومثال ذلك ما هي عليه الحال في عدة بلدان عربية، يعيش فيها، ومنذ القدم، المسلمون والمسيحيون وربما سواهم، فرغم اختلاف الديانات، فإن الجميع يتحدثون العربية.

يرى لويس جان كالفي في كتابه «حرب اللغات والسياسات اللغوية» الذي ترجمه إلى العربية د. حسن حمزة، وصدر عن مركز الدراسات العربية، أن العالم منذ ولادته كان متعدد اللغات والألسن، وعلى خلفية ذلك نشأت التباينات وربما «الحروب» في اللغة، التي «قد تكون باردة مرة، وساخنة مرات»، مفنداً سردية «الأصل الواحد وأسطورة التفوق» التي نجمت عنها سياسات لغوية عنصرية.

ليست السجالات، والحروب، اللغوية أمراً خاصاً بالمجتمعات النامية، وإنما تشمل أيضاً ما يعرف بالعالم المتقدم، حيث يطالعنا أستاذ لغويات فرنسي، هو برنارد سيركيليني، بنظرية يرى فيها أن اللغة الإنجليزية مجرد «لغة فرنسية تنطق بشكل سيئ»، مضيفاً أن اللغة الإنجليزية تستخدم آلاف الكلمات المأخوذة من الفرنسية منذ نحو 1000 عام، والعديد من هذه الكلمات تُستخدم في اللغة الفرنسية في شكل إنجليزي «غير شرعي»، رغم أن الفرنسية قدّمت مفردات أساسية للغة الإنجليزية، مثل القانون والتجارة والروحانية والفن والحكومة، بل يذهب إلى القول بأنه إذا كانت اللغة الإنجليزية لغة عالمية مرموقة اليوم، فهذا بفضل الفرنسية، التي كانت، حسب قوله، «اللغة الرسمية والمشتركة» في إنجلترا لعدة قرون.

أستاذ لغة فرنسي آخر اسمه جان ماييه لم يوافق تماماً على نظرية زميله، وإن كان وصف مواطنيه الفرنسيين بالكسالى، لميلهم لاستخدام المفردات الإنجليزية لأن الكثير منها أقصر وأكثر سهولة في الاستخدام من نظيراتها الفرنسية.