قد يستغرب بعضهم عندما يطلق على عملية إنتاج الكتاب ونشره، أنها صناعة، والحقيقة أنها تدخل من ضمن مفهوم الصناعة بكل مقاييس ودلالات كلمة الصناعة، فالكتاب يمر بعدة مراحل وسلسلة من الإجراءات، كلما كانت كل مرحلة قوية ومتماسكة ومتميزة، كان حظ الكتاب في النجاح وتحقيق الانتشار والتوزيع، أفضل.

كلمة الصناعة تعني «النشاط الاقتصادي، وهو يتضمن تحويل الموارد الطبيعية، أو المواد الخام، إلى منتجات تحقق الربح والبيع، وقد تكون هذه المنتجات سلعاً أو خدمات، لها جمهورها وأسواقها»، وبالتالي فإن الصناعة تتنوع، ومفهومها واسع، وهي تشمل قطاعات متعددة، ومنها بطبيعة الحال الكتب. خاصة إذا عرفنا أن كلمة الصناعة، تستخدم للإشارة إلى عمليات التصنيع والإنتاج والخدمات، التي يحتاج إليها المستهلكون. وهي جوانب متوفرة في مجال إنتاج الكتب. بل لا أبالغ عند القول بأن صناعة الكتب، تعد واحدة من أقدم الصناعات في التاريخ البشري، وشهدت تحولات كبيرة مع التطور الحضاري، الذي عاشه الإنسان جيلاً وراء جيل، ونجحت صناعة الكتاب، في التكيف مع جميع تلك التطورات، بما فيها التطورات الاجتماعية والثقافية، وأيضاً التكنولوجية. وعند الحديث عن التكنولوجيا تحديداً، فإن الكتاب يسايرها، ويتماشى معها، حيث ظهرت الكتب الرقمية، ومنصات النشر الإلكترونية، وبدأت عادات القراءة الإلكترونية في التوسع والانتشار، ونلاحظ أن هناك نهجاً نحو نشر كتب تستخدم تلك التقنيات في النمو والانتشار.

التحدي الذي تعيشه هذه الصناعة في هذا العصر، ماثل وواضح، والنشر الرقمي والإلكتروني، ما زالا في بداياته، ولا يحقق المكاسب والأرباح التي تتناسب مع كلفة الكتاب نفسه، فضلاً عن جوانب تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، حيث يسهل توزيع وتداول، الكتب الإلكترونية، بسهولة بالغة، وهو ما يعني الحاجة إلى تقنيات قوية وحديثة تعالج تلك الثغرات التي تؤثر في نمو هذه الصناعة، وتحد من انتشارها وتوسعها.

المشتغلون في هذه الصناعة، سواء من مؤلفين أو ناشرين أو موزعين، هم المعنيون بمعالجة تلك الصعوبات والعقبات، فهم الأكثر تضرراً، وهم الأكثر حاجة، لكنهم في اللحظة نفسها يحتاجون إلى الدعم والمساندة وعدم الإهمال؛ لأن هذه الصناعة لها تأثيرها في التنمية، سواء من الجانب المالي أو من الجانب المعرفي والثقافي، والاهتمام بها هو اهتمام بالنمو العلمي، وتوسيع لمعارف وعلوم الناس، والمساهمة في النهضة الحضارية.

www.shaimaalmarzooqi.com