أسوأ من التعصب بكل أنواعه وأشكاله ومرجعياته أولئك الذين يصنعونه، ومن يخترعون أدوات التعذيب المهيأة سلفاً لضحايا التفكير والنقد، وبعض هؤلاء شعراء وفلاسفة، ومن بينهم الفيلسوفة وعالمة الرياضيات هيباشيا الإسكندرانية، ابنة ثيون الجغرافي والفيلسوف من الإسكندرية، وهي أيضاً زوجة الفيلسوف إيزيدورُس. يقول الباحث جينيفر مايكل هيكت إن هيباشيا كانت دمثة الخلق وذات عقل مهذب وحظيت بإعجاب واسع لمسلكها المتواضع. ويمضي هيكت في وصف محنتها والعنف الوحشي التعصبي الذي تعرّضت له قائلاً: إنه في أثناء عودتها إلى بيتها أنزلها المتعصّبون من عربتها، وجرّوها إلى كنيسة تدعى قيصروم، وجرّدوها من ثيابها ثم رجموها بقطع من القرميد حتى الموت، وبعدما قطّعوا جسدها إلى أجزاء حرقوها، وكانت آنذاك، بحسب رواية هيكت، في الخامسة والأربعين من عمرها،

غير أن هيكت لا يعتمد هذه الرواية، ويذكر رواية أخرى معتمداً فيها على موسوعة بيزنطية من القرن العاشر. يقول «كانت هيباشيا فيلسوفة مشهورة ازدهرت برعاية الإمبراطور أركاديوس، وقد وضعت شروحاً لعمل عالم الرياضيات ديوفانتوس، كما ألّفت كتاباً بعنوان «القوانين الفلكية» وشرحاً لكتاب «المخروطات» لأبولونيوس. مزّق أهل الإسكندرية جسدها شرّ ممزق وسخروا من أشلائها وبعثروها في أرجاء المدينة».

يقول هيكت إن هيباشيا نشأت وتعلّمت في الإسكندرية، ولأنها كانت أكثر نبوغاً من أبيها لم تقتنع بدروسه في الرياضيات، واعتادت أن تلقي على كتفيها عباءة الفلاسفة، وتمشي وسط الإسكندرية، وتشرح جهاراً لكل من يرغب في الاستماع إليها، أعمال أفلاطون وأرسطو أو أعمال أي فيلسوف آخر. (ترجمة: عماد شيحة).

الفيلسوفات في تاريخ الفكر والمنطق والأديان في العالم معدودات على الأصابع، ويلاحظ قارئ الفلسفة أن العصور الحديثة الغربية الأوروبية والعربية تخلو أو تكاد تخلو من نساء فيلسوفات، فيما العالم يمتلئ بالشاعرات وناقدات الأدب والروائيات، لكن أياً من مؤلفات هذا الطيف الأدبي النسوي لم تتعرّض لما تعرّضت له هيباشيا التي لم يشفع لها ضعفها الأنثوي الطبيعي عند ذوي العقلية المتحجّرة، كما لم تشفع لها الفلسفة التي تأخذ، كما يبدو الكثير ممّن يتولّعون بها إمّا إلى الجنون أو إلى الموت. في التعليقات التلمودية، كما يذكر هيكت: كان الرّابي يوسي الجليلي في رحلة، وحين التقى بامرأة تدعى رورياه سألها: أي طريق أسلك للوصول إلى اللد (مدينة في فلسطين)، فأجابته: جَليليّ أحمق، أَلَمْ يقل الرابيون: «لا تنهمك في حديث مع امرأة». كان عليك أن تسأل: أين اللّدْ؟ وهذا أيضاً شكل آخر من عائلة التعصب والمتعصّبين.