بعد الحملة على وكالة "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة وتقييد عملها في قطاع غزة، يأتي الدور على المنظمات الدولية التي تتجرأ وتفتح خطوط إمداد بحري لتقديم المساعدات للفلسطينيين الذين يتفشى بينهم الجوع والمرض بوتيرة متسارعة، فتدفع ثمناً من حياة موظفيها، على غرار ما حصل الاثنين الماضي مع المطبخ المركزي الدولي، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، وقتل 7 من موظفيه في غارة إسرائيلية على دير البلح وسط القطاع، على رغم أنّ هذه المؤسسة تنسّق نشاطاتها مسبقاً مع الجيش الإسرائيلي.

قبل يوم واحد من مقتل الموظفين السبعة، كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر مقالاً مطولاً عن صاحب هذه المؤسسة الطبّاخ الإسباني الأصل خوسيه أندريس، وكيف سبق جهود الإغاثة التي تعتزم الولايات المتحدة القيام بها عبر رصيف عائم قبالة غزة.

الاعتداء الدامي على الموظفين، دفع المطبخ المركزي العالمي إلى تعليق عملياته. وهذه هي النتيجة التي كانت تريدها إسرائيل من وراء إقدامها على استهداف قافلة العمال الإنسانيين.

منذ اليوم الأول للحرب التي مضى عليها نحو 6 أشهر، وإسرائيل تستخدم الجوع سلاحاً للضغط على سكان غزة. ولم تجد المناشدات الأميركية والدولية الأخرى وقرار مجلس الأمن الأخير، ولا تحذيرات المنظمات الإنسانية، التابعة للأمم المتحدة، أو تلك التابعة لمؤسسات دولية أو خاصة، في حمل اسرائيل على إدخال ما يكفي من مساعدات إنسانية من طريق البر، لأنّ هذا هو السبيل الأنجع لوضع حدّ للمجاعة.

وأكثر من مرّة تعرّض السكان، وخصوصاً في شمال القطاع، لقصف اسرائيلي، عندما كانوا يتجمعون في انتظار قوافل مساعدات قادمة من الجنوب.

وأمام التعنّت الإسرائيلي، لجأت الولايات المتحدة ودول أخرى إلى إلقاء المساعدات من الجو. ولم يكن هذا اجراءً مجدياً بما يكفي، فضلاً عن خطورته لجهة مقتل أشخاص سقطت عليهم رزم مساعدات لم تفتح مظلاتها، أو غرق أشخاص آخرين وهم يحاولون اللحاق برزم سقطت في البحر. وبشهادة أكثر من جهة، فإنّ إلقاء المساعدات من الجو ليس الحل الأمثل لمشكلة المجاعة في غزة.

ويخشى بنيامين نتنياهو في حال أدخل قوافل مساعدات من البر، أن يحتج عليه وزيرا الأمن القومي ايتمار بن غفير والمال بتسلئيل سموتريتش، وصولاً إلى حدّ التلويح بالخروج من الحكومة، إن هو أذعن للمطالب الدولية وأدخل مساعدات بكميات كبيرة إلى القطاع.

ونتنياهو أولوية الأولويات لديه هو الحفاظ على ائتلافه الحكومي، كي لا يضطر إلى اجراء انتخابات مبكرة تُظهر كل استطلاعات الرأي أنّه لن يكون هو رئيس الوزراء المقبل، ناهيك عن المحاسبة التي سيتعرّض لها عن الإخفاق في 7 تشرين الأول (أكتوبر).

وبذلك، تحوّل التجويع جزءاً من الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة، تماماً مثلما هي مواصلة القصف وقتل المدنيين، على نحوٍ غير مسبوق، في أي حرب من حروب القرن الجاري.

وكذا هي الحرب التي شنّتها اسرائيل على "الأونروا" بتهمة مشاركة موظفين منها في هجوم "حماس" على غلاف غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وذلك للحؤول دون تمكين الوكالة من القيام بمهامها الإنسانية حيال الفلسطينيين في زمن هذه الحرب المدمّرة.

الأمم المتحدة تقول حتى الآن، إنّه ما من أدلة قاطعة على الاتهامات الإسرائيلية. لكن الهدف الإسرائيلي تحقّق بشل الوكالة التي يعتمد عليها الفلسطينيون اعتماداً كبيراً في الطبابة والتعليم والغذاء.

إنّ الوضع الإنساني الكارثي في غزة، يتطلّب من الولايات المتحدة ممارسة ضغط أكبر على الحكومة الإسرائيلية، كي توافق على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية براً قبل الجو والبحر.

والإدانات وحدها لن تفلح في ثني نتنياهو وائتلافه اليميني القومي والديني المتطرّف، عن المضي في استراتيجية القصف والتجويع، بما يجعل غزة قطاعاً غير صالح للسكن. هذا هو الهدف الأساسي للحرب.