لقد غيرت أوبك+ مفهوم الترابط بين النفط والطاقة المتجددة، حيث إن استقرار أسعار النفط، وليس ارتفاعها كما تشير بعض الأدلة على ذلك، يؤثر بشكل إيجابي على تطوير الطاقة المتجددة في البلدان المستوردة للنفط، بل إنه يزيد الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة في البلدان المنتجة للنفط ويسرع من التحول إلى الطاقة المستدامة. ويبدو أيضاً إن هناك تناقضاً بين واقع أسواق الطاقة وبين ما تشير إليه بعض الدراسات إلى انفصال أسواق الطاقة المتجددة إلى حد ما عن أسواق النفط، مما يقلل من تعرضها لتقلبات أسعار النفط، لكن تقلبات أسعار النفط له دور حاسم في الحد من الاستثمارات في الطاقة المتجددة، ويهدد أمن الطاقة والاستدامة البيئية.
كما تشير بعض الدراسات أن ارتفاع أسعار النفط يزيد من قدرة الطاقة المتجددة على المنافسة ومن التركيز على البدائل المستدامة وزيادة الاستثمار والابتكار. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالنفط ضروري لبناء التكنولوجيات اللازمة لنجاح برامج الطاقة المتجددة، فارتفاع أسعار النفط يؤثر على سلاسل التوريد لمعظم الشركات، وهو أيضاً يؤثر على سلاسل التوريد لمنتجي الطاقة المتجدد، وبما أن صناعة الألواح الشمسية على سبيل المثال، معظم مدخلاتها من المعادن مثل الألومنيوم والنحاس والزنك، والتي تحتاج إلى طاقة لعمليات التنقيب والتنقية والنقل، فان ارتفاع أسعار النفط يرفع تكلفة الطاقة ومن ثم تكلفة انتاج الألواح الشمسية.
إن استمرار نمو الطلب العالمي على النفط إلى 103.5 مليون برميل يومياً في العام الحالي وفي العقود المقبلة، حسب توقعات أوبك، سيبقي أسعار النفط مرتفعة إلى حد ما. وهذا يؤكد ان وقود النفط مازال الوقود الأول لتغذية السيارات والشاحنات والطائرات والمصانع ولا يمكن للعالم الاستغناء عنه لعقود طويلة، رغم الجهود المكثفة للحد من النفط والتحول السريع إلى مصادر طاقة المتجددة. وما زاد ثقة شركات النفط العالمية في أسواق النفط، هو ضبط أوبك+ لأسواق النفط، وذلك بخفض إنتاجها بكميات كبيرة إلزاماً وطوعاً للمحافظة على توازنها وأمن الطاقة، بل أن قرارات أوبك+ حرفت بوصلة استثمار شركات النفط الكبرى في الطاقة المتجددة نحو المزيد من الاستثمار في النفط وتحقيق عوائد أكبر في إطار تخصصها واستثمار أقل في الطاقة المتجددة. وبهذا اثبتت سياسة التحكم في العرض بأنها سياسة فاعلة وتداعيات إيجابية على مستقبل النفط واستثماراته. فمازالت استثمارات شركات النفط والغاز في الطاقة المتجددة لا تتجاوز 1 % من الانفاق العالمي على الطاقة النظيفة، بينما من المفروض أن يرتفع انفاقها من 2.5 % في 2022 إلى 50 % في 2030 تماشياً مع هدف اتفاق باريس، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية في نوفمبر 2023.
وفي بداية هذا العام، انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز" العالمي للطاقة النظيفة، لأداء شركات طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكبيرة، بنسبة 10 ٪، مقارنة بقفزة 16 ٪ في مؤشر "أس آند بي 500" للطاقة مع استمرار ارتفاع أسهم النفط والغاز، لذا سحب المستثمرين خمس مليارات دولارًا من الصناديق المستدامة الأمريكية في الربع الأخير من عام 2023، بإجمالي 13 مليار دولارًا خلال عام 2023، حسب بيانات لـ"مورنينج ستار" فبراير الماضي. كما بلغت التدفقات الخارجية، للصناديق المتداولة في البورصة المستثمرة في الطاقة المتجددة، 4.8 مليار دولارًا خلال الربع الأول من 2024، وهو الأعلى على الاطلاق، وفقًا "إل إس إي جي ليبر".
التعليقات