كشف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في تقريره الأخير، أن الإنفاق العسكري في العالم قد ارتفع 7 ٪ في العام الماضي 2023، ووصل إلى 2.43 تريليون دولار، وذلك في أكبر زيادة سنوية منذ عام 2009. وكانت أكبر الدول إنفاق على التسلح هي: الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهي نفس الدول التي رأى رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي السابق الجنرال مارك ميلي أنها تشكل أقطاب النظام العالمي الجديد.
وهذا ليس مصادفة، فالنظام العالمي، الذي أقطابه الدول الثلاث المشار إليها، يعيش مرحلة انتقالية، ومثلما أشرت في مقالات سابقة، فإن المرحلة الانتقالية على مر القرون الماضية كانت تتميز بالصراع المرير بين أقطاب النظام العالمي المتنافسة على الزعامة. ولذلك، فإن أقطاب النظام العالمي الحالي تتسلح على النحو الذي نراه، إما للدفاع عن موقعها في النظام، كما هو حال الولايات المتحدة، التي لا ترغب أن يزيحها أحد عن موقع الزعامة الذي انتزعته لنفسها عام 1991، وأصبحت بعد ذلك القوة المهيمنة والآمرة الناهية فيه. أو أن هذا التسلح، كما هو الحال بالنسبة لروسيا والصين، هو من أجل الحفاظ على الموقع الذي تشغله في النظام العالمي - كحد أدنى - باعتبارها إحدى القوى العظمى. أو كحد أعلى، من أجل احتلال موقع أكثر تقدماً من الموقع الذي تشغله في الوقت الراهن.
من ناحية أخرى، فإن هذا التسلح المفرط، يجيء في وقت يعيش فيه الاقتصاد العالمي، هو الأخر، مرحلة انتقالية، أهم سماتها ضعف النظام المالي القائم. وفي مثل هذه الحالة، فإن اندلاع حرب عالمية تعتبر هي الطريقة المتوقعة، لكي يرمى فيها هذا النظام المهترئ ليحترق على غرار ما حصل في الحرب العالمية الثانية، التي تمخض عنها نشوء نظام اقتصادي عالمي جديد ثنائي القطب عماده المالي الروبل السوفيتي والدولار الأمريكي. ولكن وجود أسلحة الدمار الشامل تحول دون وقوع هذا السيناريو. ولذلك، فإن الأقطاب الثلاثة عوضاً عن ذلك تتقدم خطوة خطوة لتدمير بعضها، والانتقال من الحروب التجارية إلى الحروب المالية. فالولايات المتحدة تحث الخطى نحو صياغة عقوبات تهدد بقطع البنوك الصينية، أو بعضها، عن النظام المالي العالمي، في خطوة مماثلة لما فعلته مع روسيا، التي تم فصلها عن نظام الاتصالات المالي العالمي بين البنوك سويفت (SWIFT)، ومصادرة أموالها.
ولذلك تتسلح هذه الدول الثلاثة بهذا الشكل المفرط، إما لأجل إشعار المنافسين بتفوقها عليهم، وإن لديها القدرة والقوة التي تمكنها من إلحاق الأذى بهم، وإن كان ذلك من خلال طرف ثالث كأوكرانيا أو تايوان، أو كما هو حال روسيا والصين اللتان تتسلحان من أجل الحفاظ على المكتسبات المتحققة، وإقناع الولايات المتحدة بالقوة أنه من الصعب عليها الاعتداء عليهما ومنعهما من التقدم وتحقيق الأهداف المنشودة.
ولذلك فليس مستغرباً في غمرة هذا الصراع الكوني، أن تتراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي. فإهدار الموارد على إنتاج الأسلحة المميتة وتكديسها، يحرم القيمة المضافة المنتجة من الدوران، ويقلل الفائدة والجدوى الاقتصادية من إنتاجها، وذلك باستثناء روسيا التي تعيش حالة حرب حقيقية وتدور ما تنتجه من أسلحة في ميدان المعركة على الفور، وهذا هو أحد أسباب نمو اقتصادها.
التعليقات