تتشابه المدن كما يتشابه الناس، وتتقارب أمزجة المدن كما تتقارب أمزجتنا كبشر، لذلك فإن بيننا وبين المدن التي نقع في غرامها منطق التقاء قد نجده في الطبيعة، وربما وجدناه في الآثار والتاريخ، والمقاهي الصغيرة والطرقات المرصوفة بالحجارة الجبلية السوداء، في الأغنيات ورقصات الدراويش والحمامات العتيقة، في دكاكين بيع السجاد والتحف، في المآذن والقباب ودكاكين بيع الكتب المستعملة وبسطات بيع التذكارات التي نشتريها ولا نستخدمها غالباً.. أمكنة ونقاط كثيرة تقرب بيننا وبين بعض المدن وتجعلنا نقع في هوى مدينة وننفر من مدن أخرى!
هناك من تظل علاقته بالمدن خالية من المعنى العميق للعلاقة، فنراه يتنقل من مدينة لأخرى ككائن ميكانيكي، كل الأمكنة بالنسبة له متشابهة، طالما وجد فيها متطلباته المادية بالمستوى المحدد، الفندق والمقهى والشارع والسوق، ولا يريد أكثر، بينما الحقيقة متطلبة وتحتاج حساسية وتأملاً للوصول إليها، لذلك فمن لا يعرف نفسه وحقيقة ما يريد وما يود لا يمكنه أن يضبط بوصلته صوب المدينة والاتجاه الصحيح!
المسألة ليست معادلة رياضية معقدة، لكنها تتعلق بمدى اهتمامنا بالتفاصيل التي تبهجنا، وتتعلق بتقييمنا لأنفسنا وأوقاتنا ورغباتنا واحتياجاتنا، نحن لا نسافر لمدينة ما، فقط لأن الآخرين يسافرون إليها ويجب أن نفعل مثلهم، ولا نسافر لأن لدينا من المال ما يكفي لسكنى أفضل الفنادق، أظننا نسافر لأن السفر احتياج حقيقي، احتياج للبهجة، وللمختلف، لتجربة النفس واكتشافها، لتحقيق الرضا، وللأمان أحياناً، ربما لا يسافر الجميع لأجل ذلك لكن كثيرين يفعلون، إن هذه الاحتياجات هي بالضبط ما يحدد أي مدينة يجب أن نذهب إليها.
فمن يعطينا مفاتيح المدن الصحيحة، حتى تتاح لنا الخرائط والأبواب المغلقة فيها؟ أحياناً يعطيها لنا أصدقاؤنا فتتحول المدينة إلى خرائط متعة ومعرفة واكتشاف بدل أن تكون خرائط تيه وضياع، وأحياناً تمنحها لنا بالتجربة، وفي كل الأحوال فإن المدن مثل البشر قد تسخر منا أو تحتال علينا بسهولة تامة، إذا تعاملنا معها بلا مبالاة وبخفة لا تتناسب وكنوزها الدفينة، فلننتبه!
التعليقات