تؤثر الصدمات المحلية في الاقتصادات الناشئة في مجموعة العشرين بشكل متزايد على النمو في العالم، وفقاً لتقرير نشره صندوق النقد الدولي على هامش اجتماعات الربيع في واشنطن، من 17 إلى 19 أبريل (نيسان)، لمناقشة القضايا ذات الاهتمام العالمي، بما في ذلك الآفاق الاقتصادية العالمية، والقضاء على الفقر، والتنمية الاقتصادية.

ومنذ عام 2000، زادت الآثار غير المباشرة الناجمة عن الصدمات المحلية في الأسواق الناشئة لمجموعة العشرين، وخصوصاً الصين، وصارت من حيث الحجم قابلة للمقارنة مع تلك الناجمة عن الصدمات في الاقتصادات المتقدمة. إذ إن الصين صارت جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، لا سيما عبر التجارة ودورات إنتاج السلع الأساسية، ولم تعد مجرد طرف متلقٍّ للصدمات العالمية.

ويرى صندوق النقد الدولي، أنه منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، ضاعفت الأسواق الناشئة لمجموعة العشرين، حصتها في التجارة العالمية والاستثمار الأجنبي المباشر، وباتت تمثل الآن نحو 30 في المائة من النشاط الاقتصادي العالمي، ونحو ربع التجارة العالمية. كما أصبحت نظامية على نحو متزايد، من خلال اندماجها في سلاسل القيمة العالمية، مع القدرة على تحريك الأسواق العالمية. إذ إن التأثيرات غير المباشرة على النمو نتيجة للصدمات الناشئة في هذه الاقتصادات، يمكن أن تخلِّف تداعيات أعظم كثيراً على النشاط العالمي.

و يشير الصندوق إلى أن الاقتصادات الناشئة العشرة في مجموعة العشرين، وهي: الأرجنتين، والبرازيل، والصين، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، وروسيا، والسعودية، وجنوب أفريقيا، وتركيا، نجحت في مضاعفة حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ عام 2000، وهذا لم يساعد في توفير الزخم العالمي للنمو والتجارة فحسب، بل كان أيضاً قوة لخفض تقلبات الإنتاج، بفضل التنويع بين الدول والتقارب في مستويات الدخل والمعيشة.

وتكافح الصين للتغلب على الرياح الاقتصادية المعاكسة التي طال أمدها، مع ارتفاع مستويات ديون الحكومات المحلية التي تحد من الاستثمار في البنية التحتية، ودخول مشكلة سوق العقارات عامها الرابع. إذ تعرضت ثقة المستهلكين والمستثمرين أيضاً لضغوط، ومن المرجح أن يغير تحول الاقتصاد الروسي نحو آسيا اتجاه التأثيرات غير المباشرة، ويمكن لمفاجآت النمو الإيجابية أن تعزز نمو إيرادات الشركات الأجنبية في قطاعات مثل المعدات الكهربائية والآلات والمنتجات المعدنية، التي تعتمد بشكل أكبر على الطلب من الأسواق الناشئة لمجموعة العشرين. ومن الممكن أن يساعد النمو الأسرع في الأسواق الناشئة مثل إندونيسيا وتركيا، الشركات الأجنبية في القطاعات الأكثر اعتماداً على المدخلات الأرخص.

إن النمو الأسرع بين الأسواق الناشئة، قد يعني، أنها تعمل على توسيع قدرتها الإنتاجية، في اتجاه تصنيع وتصدير سلع جديدة، تتنافس بشكل مباشر مع تلك السلع التي تصنعها الشركات في الخارج. ويبدو أن تأثير المنافسة على الواردات من الدول ذات الأجور المنخفضة، مثل الصين والمكسيك، يهيمن على القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الموردين الأجانب كالمنسوجات والمواد الكيميائية. إذ إن الصدمات في الأسواق الناشئة لمجموعة العشرين، يمكن أن تؤدي أيضاً إلى عمليات إعادة تخصيص كبيرة للنشاط الاقتصادي عبر الدول والقطاعات. علماً أن الأسواق الناشئة هي الدول التي تستثمر في قدرة إنتاجية أكبر، وتبتعد عن اقتصاداتها التقليدية التي تعتمد على الزراعة وتصدير المواد الخام. ويرغب قادة الدول النامية في خلق نوعية حياة أفضل لشعوبهم، إذ إنهم يتجهون إلى التصنيع بسرعة ويتبنون نظام السوق الحرة أو الاقتصاد المختلط.

و تعد البرازيل، والصين، والهند، وروسيا من أبرز الأمثلة على الأسواق الناشئة، إذ إن هناك 5 خصائص رئيسية تتسم بها الأسواق الناشئة، وهي الدخل المنخفض، ومعدلات النمو الاقتصادي السريع، والتذبذب المرتفع، وتقلبات العملة، والعوائد العالية المحتملة.

في بيئة عالمية حافلة بالتحديات، هناك عامل رئيسي يفسر الخلفية الإيجابية للأسواق الناشئة، وجود أسس قوية للاقتصاد الكلي في معظم الأسواق الناشئة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. وتعد أسس الاقتصاد الكلي أقوى حالياً في معظم الأسواق الناشئة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. فقد شهدت كثير من الاقتصادات المتقدمة اختلالات حادة جراء سياسات التحفيز المفرط، في أعقاب الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية، ما أدى إلى مشكلات مثل ارتفاع الدين العام والضغوط التضخمية. وكان السبب وراء ذلك هو الحاجة إلى حماية دخل الأسر والشركات من الصدمات السلبية الكبيرة. في المقابل، كان لدى معظم دول الأسواق الناشئة حيز أقل لاستخدام السياسة الاقتصادية في التكيف مع صدمة الجائحة.

ونتيجة لذلك، تتعرض دول الأسواق الناشئة الآن لضغوط أقل لتشديد السياسة النقدية، بل وقد تبدأ في دورات تخفيف مبكر للسياسة النقدية، حيث تكيفت اقتصاداتها إلى حد كبير مع الظروف العالمية الأقل اعتدالاً. بشكل عام، بدأت تدفقات رؤوس الأموال العالمية تعود إلى الأسواق الناشئة، مدفوعة بالتراجع المستمر في التقييم المبالغ فيه للدولار الأميركي والأسس الاقتصادية الأقوى نسبياً في معظم دول الأسواق الناشئة.

في الختام، لقد باتت الأسواق الناشئة محط أنظار الكثير من المستثمرين للجوء إليها كإحدى أهم الفرص الاستثمارية، نظراً لما تحققه من معدلات نمو سريعة وارتفاع في عوائدها. وعلى الرغم من تلك المميزات، فإنها تمتلك معدلات عالية المخاطر، إذ إن الأسواق الناشئة عبارة عن مجموعة أسواق تتمتع بخصائص وسمات الأسواق المتقدمة. وقد انتقلت من مرحلة الاعتماد على الزراعة وتصدير المواد الخام، إلى مرحلة التصنيع والانخراط في الأسواق العالمية، وتطمح مستقبلاً إلى الدخول في عالم الأسواق المتقدمة. وقد شهدت الأسواق المالية الناشئة في الدول النامية، مستويات قياسية من النمو والتطور في الحجم وتقود الصدمات الاقتصادية العالمية.