تعكس القمة العربية الثالثة والثلاثون التي عقدت الخميس الماضي في البحرين بقصر الصخير، الذي يقع في منطقة الصخير بالمحافظة الجنوبية، الدور المتزايد لدول مجلس التعاون في الشرق الأوسط، ليس فقط في المجال السياسي رغم أهميته، وإنما أيضاً على الجانب الاقتصادي. فجدول أعمال القمة يتضمن مناقشة الشؤون الاقتصادية العربية وتقرير الأمين العام عن العمل الاقتصادي والاجتماعي التنموي العربي المشترك، وكذلك خطة الاستجابة الطارئة؛ للتعامل مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب في غزة- وهذه من أهم الملفات الإقليمية والاقتصادية.

إن الدور الكبير الذي يلعبه مجلس التعاون في الحياة العربية ليس مصادفة. فدول هذا المجلس تشغل موقعاً متميزاً في الاقتصاد والسوق العربية. فإذا نظرنا إلى الناتج المحلي الإجمالي لكافة بلدان المنطقة، فسوف نلاحظ أن دول المجلس تتصدر قائمة أكبر الاقتصادات العربية. فحصة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة وحدها وصل عام 2023 إلى أكثر من 31 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العربي. إما إذا انضمت بقية دول مجلس التعاون إلى المملكة، فإن الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، التي يبلغ عددها 6 دول، سوف يصل إلى حوالي 62 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية الـ22 مجتمعة.

ولذلك، فليس مستغرباً أن تكشف الإحصاءات التي أعلن عنها الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء أن واردات بلدين خليجيين فقط، هما المملكة والإمارات، من مصر وصل خلال العام الماضي 2023 إلى 36 % من إجمالي واردات كافة البلدان العربية من هذا البلد العربي والتي وصل حجمها إلى 13.6 مليار دولار. أما صادرات دول المجلس إلى مصر في العام المشار إليه فقد وصلت نسبتها إلى أكثر من 90 % من إجمالي صادرات كافة البلدان العربية إلى مصر.

ولهذا، فإن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى سوف تدعم توجهات دول المجلس باعتبارها منطقة كبرى للتجارة البينية العربية بتعرفة جمركية منخفضة، خاصة إذا ما تطورت إلى سوق مشتركة ومن ثم إلى اتحاد جمركي بين كافة بلدان المنطقة. فمثلما نعرف، فإن التجارة الخارجية تساهم بحصة لا يستهان بها في تكوين رأس المال الإجمالي الثابت والناتج المحلي الإجمالي. الأمر الذي سوف يترجم نفسه إلى زيادة تأثير دول المجلس ليس فقط في التجارة وإنما في تشغيل الاقتصاد العربي وحجم البطالة في هذه البلدان- خاصة إذا ما أخذ بعين الاعتبار العمالة العربية العاملة في دول المجلس وتحويلاتها إلى بلدانها.

إن هذا الملف، إذا ما تمت إدارته على نحو مؤاتٍ، من شأنه خلق المقدمات الضرورية لإيجاد قوة ناعمة خليجية في منطقة الشرق الأوسط- وزيادة التلاحم والأخوة التي تؤلف بين كافة بلدان المنطقة.