منذ آلاف السنين والإنسان يبحث عن الراحة النفسية والجسدية وإشباع غرائزه وشهواته ومتعته واحتياجاته.. يقول الدكتور عادل مقرود في كتابه الفضيلة عند أفلاطون: «منذ أن وجد الإنسان على هذه المعمورة وهو يحاول أن يكشف خباياها، وخبايا ذاته كذلك؛ لأن فضول المعرفة يدفعه، وحب اكتشاف الحقيقة يلح عليه، فكان يجتهد ويثابر ويقتحم كل ما يراه مجهولاً، والفضيلة أحد الموضوعات التي طالما كانت تحظى بالأولوية عنده، فيتناولها على أساس أنها موضوع مصيري لأنها تسهل الحياة عنده فلا تستقيم دونها، فهي من تثبت وجود الإنسان فيه وتثبت ترفعه على الملموس والحيواني وتنظم حياته وعلاقته بمن حوله وعلاقته بنفسه كذلك، ثم علاقته بمصدر الخلق الذي يؤمن به، فكانت كل الحضارات الإنسانية عبر التاريخ لا تمر مرور الكرام عليها بل تثير الجدل والخلاف والنزاع حولها فتضاربت حولها الآراء، وحدث الانشقاق حول مضمونها وطرق تناولها». ولا شك أن المدارس الفكرية اليونانية القديمة مرت بمراحل مختلفة انشغلت في بداياتها بالسماء وطبيعة الأشياء حتى ظهر سقراط واهتم بدراسة الفضيلة والخير، وبعد قرن من الزمان جاء الفيلسوف أبيقور بمقولة: «إن سعي الإنسان يجب أن يكون السعادة وليس الفضيلة». رغم أن الخير والسعادة ليسا مترادفين إلا أنهما يتلاقيان من نواحٍ عديدة، لأنه من خلال الأعمال الجيدة التي يسعى الإنسان لتحقيقها يحصل على السعادة. إن المدرسة الأبيقورية أثرت في العديد من الفلاسفة التنويريين مثل ديفيد هيوم وكانط ونيتشه وجون ستيوارد مل وغيرهم.

السعادة التي يبحث عنها المفكرون والفلاسفة والناس بمختلف مشاربهم أين توجد؟ وكيف السبيل إليها؟ وماهيتها وكيفيتها وكنهها وجوهرها؟ أسئلة تحير العقول وتختلف فيها الآراء. إن السعادة التي يريد الإنسان أن يحققها موجودة في دوائر الحياة أو أنماط الحياة، وأنماط الحياة عديدة ومتشعبة وليس كما ذهب الفيلسوف الدينماركي كيركيغارد بأنها موجودة في ثلاثة أنماط هي: ١- الجمالي ٢- الأخلاقي ٣- الديني. نعم أوافقه أن السعادة متداخلة في كل أنماط الحياة كدمية ماتريوشكا الروسية ذات الحجم المتناقص الواحدة داخل الأخرى، وكذلك السعادة متداخلة في أنماط الحياة غير أنها تختلف من فرد لآخر ومتغيرة حسب الأنماط الحياتية التي يعيشها.

السعادة الشعور والإحساس والراحة مرتبطة بالمادة وأنماط الحياة والدوائر المتعددة المتداخلة في بعضها البعض. السعادة ليست شعورا داخليا فقط. يقول أبيقور: «على الإنسان أن يسعى خلف السعادة وخلف الحياة الهادئة وهذا لا يتحقق إلا بإنهاء الألم الجسدي والنفسي معا».

الخوف غريزة طبيعية لحماية الإنسان، يفترض أن لا تكون عاملاً سلبياً تحرم من تحقيق السعادة. لهذا يقول أبيقور: «إذا لم تكن خائفاً من الوقت الذي ولدت فيه، لماذا تخاف من الوقت بعد وفاتك»... «لن تكون هنا إلى الأبد، لكنك رغم أنك لست سيد الغد فإنك تؤجل سعادتك، تضيع حياتك في التأخير، وكل واحد يموت دون أن يستمتع بالوقت الذي حظى به».. إن الإنسان كما وصفه كيركيغارد «يخاف مما يرغب به ويرغب فيما يخافه»، أو بمعنى آخر «النفور مما يجذبنا والانجذاب نحو ما ينفرنا». الخوف في بعض الأحيان هو الخوف من حرية الاختيار، لذلك قيل حياة الخطر هي التي تعطينا الشعور بالحياة، لذلك هناك من يعشق المغامرة والمجازفات لتعلم الاتزان.

لتحقيق السعادة يتطلب أن نعيش التجربة بجميع أنماط الحياة المتداخلة كدمية الماتريوشكا بعضها داخل بعضها متجاوزين الخوف والقلق والألم دون تأجيل أو تأخير غير ناظرين ما في يد الآخرين تتوازن المادة مع النفسي والروحي باعتدال واقتدار دون تفريط أو إكثار.