سعى الإنسان منذ فجر تاريخه لإيجاد الوسائل والطرق من أجل مساعدته في التغلب على ظروف حياته البدائية القاسية، في ذلك الزمن كانت الحاجة للبقاء هي الدافع للعمل والابتكار، لذا اخترع أدواته من الحجارة وعظام الحيوانات وأغصان الأشجار، وتبعاً لذلك اخترع الرماح والسهام لتساعده على الصيد ومطاردة الفرائس والدفاع عن نفسه من الحيوانات المفترسة والمتوحشة.

منذ تاريخ البشرية الأزلي وحتى يومنا كانت ابتكاراته واختراعاته تبدأ من الحاجة وتنتهي عند الرفاهية والكمالية، إلا أن بعض الاختراعات والاكتشافات النبيلة المفيدة تحولت إلى كابوس إنساني بحق مثل اختراع الديناميت في عام 1867م على يد المهندس الكيميائي الفرد نوبل، الذي كان غرضه من هذا الاختراع تقديم المساعدة في حفر المناجم وتعبيد الطرق وحفر قنوات الصرف المائية، إلا أنه استخدم في القتل والهدم، عندما تم تطويره ليصبح جزءاً أساسياً في الصناعة العسكرية التي أبادت الملايين من البشر منذ اكتشافه حتى يومنا، تبعاً لذلك جاء اكتشاف الطاقة النووية التي تعتبر قليلة التكلفة ومفيدة في توليد الطاقة الكهربائية، بل رخيصة إذا ما تم مقارنتها بمصادر الطاقة الحالية، بل إنه إلى جانب أنها منخفضة فإنه بكمية قليلة منها يمكن أن تغطي أرجاء واسعة عند استخدامها في توليد الطاقة الكهربائية، لكن الطاقة النووية تحولت إلى سلاح فتاك ومدمر ونعرف جميعاً قصة إلقاء القنبلة النووية الأمريكية على مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945 والتي قتلت في ومضة سريعة نحو 66000 وجرحت 69000 بواسطة التفجير المكون من 10 الآف طن.

لقد توهج العالم بالتطور والحضارة، فتغيرت كثير من السلوكيات والاهتمامات وبات الركض المتواصل للإنسان بهدف جمع أكبر قدر من النقود في سعي مادي واضح، وهو معذور فبواسطتها يحصل على الغذاء والمأوى والمسكن وهذا السعي الحثيث الذي يتسم في احيان كثيرة بالعنف والتهافات والقسوة يشبه إلى حد ما سعي الانسان البدائي للبقاء والذي استخدم وسائل وادوات متواضعة لتساعده وتحقق أمنه، لكن في العصر الحاضر وبرغم التوهج والرقي والتطور داهمت الإنسان عوامل كثيرة تهدد بقائه ففضلا عن عشرات اذا لم يكن مئات من الاسلحة الفتاكة والحروب المتواصلة غير الصناعات الضخمة التي لوثت الاجواء واثرت بشكل واضح على مناخ الارض باسره.

وقد شاهدنا تغييرات مناخية خطيرة كذوبان الجليد في القطب الشمالي والجنوبي، وحدوث عواصف واعاصير مميته مثل تسونامي.

أقول أنه بجانب هذا جميعه تزايدت الامراض والفيروسات التي تفتك بالانسان يوميا ورغم الجهود الطبية الحثيثة والتي نسمع بها بين وقت وآخر والتي تتحدث عن اكتشاف لعلاجات وأمصال جديدة، ظلت كثير من الامراض دون علاج وحلول جذرية مثل أورام السرطان ونقص المناعة المكتسبة الايدز، وغيرها، بل ماتوا كثيرين بسبب فيروسات فتاكة تظهر وتختفي مثل ايبولا، صحيح أن الإنسان تمكن من التغلب على أمراض حصدت الملايين فيما مضى ووجدت علاجات شافية منها مثل الملاريا والحصبة والجدري ونحوها، لكن وعلى الرغم من أن الإنسان اليوم أكثر تطور وتساعده الآلة التي سخرها لخدمته لكنه أيضا أكثر ألم وهموم، فالفقر والبؤس وغيرها تزيد من حيرته وغربته على الأرض، وإذا كنا نسمع يوميا بالنظام العالمي الجديد في جانبه السياسي فنحن أحوج ما نكون لنظام عالمي جديد في قيمة الأخلاقية ومبادئه وأيضا أولوياته، نحتاج فعلا لمنظمات دولية فاعلة تأخذ على يدها إصلاح الإنسانية ومحاولة العودة لطريق الأمن العاطفي والنفسي والصحي والابتعاد عن الجنوح والشطط والانحراف، ولعل أرباب القلم والمثقفين هم أكثر الناس معرفة بمعنى التسامح وقيمه والهدوء وفضائله، فجيب عليهم دوما التصدي لهذه المهمة، إن من يملك القلم يملك الحقيقية، يملك الجوهر الذي بوساطته ارتقى الإنسان وانتقل من كهفه لكل هذا التوهج، نحن في أمس الحاجة لمثقفين يأخذون على عاتقهم رسالة نشر المعرفة والتبشير بالعلم، ونشر قيم المحبة والخير للجميع دون استثناء.