نتنياهو المنتشي بتحرير 4 رهائن من «مخيم النصيرات» جدَّد الوعود بنصر كامل. مكَّنه الحدث، رغم تسببه بقتل 3 رهائن ومذبحة مروِّعة أسفرت عن قتل 300 فلسطيني، من تجاوز استقالة غانتس وأزينكوت من حكومة الحرب، على خلفية غياب رؤية لـ«اليوم التالي»؛ ما يحول دون تمكُّن إسرائيل من تحقيق النصر، وفق غانتس.

والأخطر أن نتنياهو الذي أسقط عشرات مشاريع الهدن وتبادل الأسرى والمعتقلين سيمضي في الحرب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، خشية من أن انتهاءها سيرغمه على الانتقال من رئاسة حكومة الحرب إلى قاعة المحكمة وبدء الحساب العسير.

يحيى السنوار من موقع الشريك الموضوعي لنتنياهو رفض، لأشهرٍ، الضغوط الرامية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن الإسرائيليين بمعتقلين فلسطينيين. يرى أن إطالة الحرب تعري إسرائيل دولياً، وفي استخفافٍ خطير بحياة الغزاويين يعتبر سقوط الضحايا المدنيين «تضحيات ضرورية». إن هذا الموت «سيبث الحياة في عروق الأمة»، وفق رسائل له نشرتها «وول ستريت جورنال». وكان موسى أبو مرزوق قد قال إن «حماس» مسؤولة عن كادراتها. أما حياة المدنيين فمن مسؤولية الأمم المتحدة، في تنصُّل من مسؤولية التسبب في قتل 37 ألفاً و13 ألف مفقود تحت الركام، وجرح نحو 90 ألفاً، أكثرهم ضحايا مؤجلة!

نعيم قاسم متباهياً بإمكانات «حزب الله» العسكرية: «ما استخدمه الحزب حتى الآن في معركة (إسناد) غزة والدفاع الاستباقي عن لبنان هو جزء صغير مما لديه، وهناك أمور قد تكون مفاجآتها أكبر». يتجاهل عمداً الشيخ نعيم الإشارة إلى الكارثة التي أوصل لبنان إليها تفرّد «حزبه» بإعلان حرب «مشاغلة» العدو، فارتدَّت ويلاتها على الجنوب ولبنان. يقفز فوق جنوبٍ مقفر بات يباساً ورماداً ليعلن: «التحولات الاستراتيجية هي لمصلحة محور المقاومة، وسيكتشف العدو بعد هذه الحرب مقدار الخسائر الجسيمة التي لحقت به».

نتنياهو لا يقبل غير النصر الحاسم بتفكيك بقية قدرات «حماس» العسكرية تتويجاً لاقتلاع الغزاويين الذين باتوا في العراء، بعدما حوَّل التوحُّش الصهيوني القطاع إلى مكان غير قابل للعيش. ويراهن السنوار على أن إطالة أمد الحرب تمنح صاحب الأهواء الكربلائية فرصة الخروج إلى الضوء وإعلان النصر من فوق الركام للقفز إلى قيادة القضية الفلسطينية. وفي كل خطب حسن نصر الله وعود بما لا يقل عن «نصر إلهي» ورسائل طمأنة لـ«معارضة» نظام المحاصصة الغنائمي بأن حزبه لن يوظف النصر لفرض شروطه!

دخلت المنطقة الشهر التاسع على بدء الحرب على غزة، والحروب المواكبة التي فتحها النظام الإيراني عبر أذرعه، وليس في الأفق؛ ما يشير إلى نهاية قريبة لها، والمخاوف جدية من احتمال توسعها إلى الداخل اللبناني، بعد قصف مدمِّر. مبادرة الرئيس بايدن، التي لا بديل عنها، متعثرة إسرائيلياً و«حمساوياً». والربط بين الجنوب وغزة سيفاقم المآسي، وسيظهر أن قرار «حزب الله» وكالة عن ملالي طهران إدخال لبنان في حربٍ مدمرة لم تكن نتائجه محسوبة.

سيكون متعذَّراً عدم تحمل مسؤولية مقتل 600 بين لبناني ومقيم، من ضمنهم نحو 400 من عناصر «الحزب» وكادراته القيادية الميدانية، مقابل سقوط 26 إسرائيلياً بينهم 15 عسكرياً. ولن يكون سهلاً على «الحزب» إدارة الظهر إلى واقع دمار بلدات الجنوب والحزام الأمني الإسرائيلي المفروض. إلى احتراق نحو 5 ملايين متر مربع من المساحات الخضراء؛ زيتون وأشجار مثمرة، وإلى ضرر اقتصادي طويل الأمد نتيجة تلوث التربة بقنابل الفوسفور الأبيض في منطقة يفوق طولها الـ100 كلم باتت غير قابلة للحياة. كما أن التباهي بإصابات في البنية التحتية لبعض المستوطنات والحرائق التي أشعلها القصف لن يحول دون وضع «حزب الله» في مواجهة مع «بيئته»، وكل أبناء الجنوب، الذين، رغم الستار الحديدي المفروض على المنطقة، يسألون، وأمامهم ركام منازلهم، عما حققته «المشاغلة» و«إسناد» غزة، ودمارها ماثل، وحرب التوحُّش انتقلت إلى رفح، آخر جيب فلسطيني في القطاع!

ثابت ومعروف حجم أطماع العدو الصهيوني وتوحشه، والأمر الخطير يكمن في تقديم الذرائع له. توازياً المقلق هو التشابه الفلسطيني اللبناني الرافض لهذا المنحى. في فلسطين معاناة من عقم «منظمة التحرير» التي تكلَّست أفكارها ومبادراتها. وفي لبنان «معارضة» نظام المحاصصة، شريكة «حزب الله» في المغانم، والتربُّح على حساب أكثرية موجوعة، ليست أهلاً للمواجهة المطلوبة لتغيير الواقع المشكوّ منه.

ولئن كانت حالة رمادية تحيط بمستقبل «حماس»، فإن «حزب الله» الذي يقف خلف الشغور الرئاسي والفراغ الحكومي ماضٍ بتثبيت مشروعه البديل؛ تحت رعاية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بقيادة الولي الفقيه، كما حدَّد ذلك نصر الله، في عام 1992!