يوم عظيم من أيام الدنيا، قال الله تعالى فيه: «فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها -: «ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟»، وعرفات، أو عرفة، اسم للموضع، أي موضع الموقف في الحج، ويشير اللغويون إلى أن (عرفات) جمع لعرفة، وإنما صُرِف (أي نُوِّن)؛ لأنه علم على مؤنث، كمسلماتٍ، ومؤمناتٍ، فَرُوعي فيه الأصل؛ ولذلك صُرِف، وقيل إنما سميت عرفات بهذا الاسم نسبة إلى المعرفة (عرف يعرف عرفت..)، ومن أسمائها: المشعر الحلال، والمشعر الأقصى، وعرفة، أو عرفات.

والحق أن (عرفة) لم تتردد كثيراً في الشعر العربي إلا في بعض القصائد التعليمية، وبعض القصائد الدينية التي تتحدث عن الحج، وأعماله، أو رحلاته وهذا الأمر طبيعي؛ لأنها موضع مخصوص، مرتبط بعبادة محددة، ذات زمن معلوم، وإن كان مكانها من أطهر الأمكنة، وزمانها من أشرف الأزمنة، لكن لعل لهذه الخصوصية أثرها في قلة الإشارة إليها، ثم إنها عمل، ومكان، وزمان يدخل ضمن نسك الحج، وشعائره، فلذلك قد يكون الحديث عنها وارداً ضمن الحج بوصفه موضوعاً أدبيّاً عاماً، وهذه القلة قد تكون مع الشعر أكثر منها في النثر؛ ذلك أن أدب رحلات الحج زاخرٌ بالإشارة إلى عرفة بإسهاب وإطناب؛ ولذلك فإن حضورها في النثر أكثر منه في الشعر.

ويعد أمير الشعراء (أحمد شوقي 1932م) من أميز الشعراء الذين توقفوا عند (عرفات) بوصفها مكاناً، وزماناً، حيث خصها بقصيدته المشهورة (إلى عرفات)، واستهلها استهلالاً جميلاً حين قال: «إلى عرفاتِ اللهِ يا خيرَ زائرٍ / عليكَ سلامُ الله في عَرَفاتِ»، وفيها يقول: «على كلّ أُفقٍ بالحجازِ ملائكُ / تَزُفُّ تحايا اللهِ والبركاتِ»، وفيها يقول مشيراً إلى توحّد الحجيج في صفٍّ واحد، وتساويهم في الملبس، والموقف: «أَرى الناسَ أَصنافاً وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ / إِلَيكَ اِنتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ .. تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ / لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ»، وهذه القصيدة وإن كانت دينية الموضوع والغرض، فإننا لا نعدم فيها وجود صور فنيّة، توحي بأدبية النص الشعري، كما في قوله عند وصف جبهة الحاج وهو يتذلل بعبادته لله تعالى: «مُنَوِّرَةٌ كَالبَدر،ِ شَمّاءُ كَالسُها / وَتُخفَضُ في حَقٍّ، وَعِندَ صَلاةِ».

على أننا نجد في الشعر السعودي مثلاً حديثاً كثيراً عن الحج، ومشاعره، ومناسكه، كما هو الحال مثلاً عند محمد بن علي السنوسي (1987م) في قصيدته التي يقول فيها: «من كل فج أقبلوا حُسّراً / شوقاً إلى البيت العتيق الحرامْ»، ومثله طاهر زمخشري (1987م) في قصيدته التي يقول فيها: «أهيم بروحي على الرابية / وعند المطاف وفي المروتين»، غير أن القصائد التي تتناول موضوعاً واحداً في الحج كعرفة مثلاً، أو نحوها لم يكن حضورها - في نظري – كثيراً لدى الشعراء.

أحمد شوقي
طاهر زمخشري