عكست قمة الدول الصناعية السبع التي عقدت في إيطاليا، مؤخراً، مشهداً سياسياً مرتبكاً ناجماً عن الأزمة التي تعيشها الديمقراطيات الكبرى، في لحظة تاريخية يفترض أن تكون فيها جاهزة لمواجهة التحديات الراهنة في عالم يتغير بسرعة ويحث الخطى نحو نظام عالمي جديد.

منذ تأسيسها بمبادرة أمريكية عام 1973، لم تمر مجموعة السبع الكبرى بمثل هذا الاضطراب الناجم عن الاستحقاقات الديمقراطية في معظم دول المجموعة، والذي يعكس مشهداً سياسياً فارقاً قابلاً للتغيير في الأسابيع أو الأشهر المقبلة. ففي الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، هناك استحقاقات انتخابية وسياسية صعبة، يهيمن عليها فوز اليمين المتطرف وربما وصوله إلى السلطة، وهنا لا يختلف الشعبويون الأمريكيون القابعون في أقصى اليمين المتطرف للحزب الجمهوري كثيراً، عن نظرائهم في كل من ألمانيا وفرنسا وغيرهما من دول القارة. الوحيدة التي لم يظهر عليها الارتباك بين القادة الحاضرين في القمة الأخيرة، هي جورجيا ميلوني المطمئنة لفوز حزبها والتي تعرف بأنها غير قلقة على مستقبلها السياسي في المستقبل القريب.

أما في بريطانيا، فيواجه حزب المحافظين هزيمة محتملة يقابلها عودة قوية لحزب العمال، ولا يبدو أن ريشي سوناك قادر على قيادة حزبه نحو تحول دراماتيكي خلال الفترة القصيرة المتبقية على إجراء الانتخابات. أما في كندا واليابان فيواجه رئيسا الوزراء جاستين ترودو وفوميو كيشيدا تراجعاً كبيراً في نسبة التأييد الشعبي. وهناك في حقيقة الأمر عوامل كثيرة لاضطراب المشهد السياسي في الغرب، منها ما هو سياسي وما هو اقتصادي، لكن المشكلة الحقيقية التي تواجهها هذه الديمقراطيات وتضعها في دائرة الخطر، تكمن في أنها لا تقيم وزناً للقوانين والمؤسسات مثل البرلمان وأجهزة القضاء، على حد تعبير الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.

ومع ذلك، فإنّ الصورة التي حاول قادة المجموعة إظهارها في إيطاليا، تنم عن سعيهم إلى التوحد ولملمة شتات التحالف الغربي وفق ضوابط باتت معروفة للجميع، كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا والاتفاق على تمويلها بحزمة مساعدات بقيمة 50 مليار دولار من فوائد الأصول الروسية المجمدة لدى الغرب، وهي مسألة سيكون لها تداعيات على الأرجح. أو بالنسبة للعلاقات مع الصين وتخصيص جلسات حوارية طويلة لتخفيف حدة التوتر والوصول إلى توافقات مشتركة تجاه السياسة التجارية الواجب اتباعها، ومسألة تايوان وبحر الصين الجنوبي، من دون أن يتخلوا عن سياسة توجيه الإنذارات إلى كل من موسكو وطهران وبكين.

أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فقد أعربوا عن تأييدهم للمقترح الأمريكي من أجل إنهاء الحرب في غزة، ودعوا الطرفين إلى قبوله، كما دعوا إلى فتح المجال أمام أفق سياسي يفضي إلى «حل الدولتين» لإنهاء الصراع واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة. لكن كل هذه الصورة المفعمة بالآمال لم تستطع حجب حقيقة القلق الناجم عن شبح الاستحقاقات المقبلة في العالم الغربي برمته.