عندما يُنَصِّب الأطفال حكماً منهم لمباراة كرة قدم فينحاز لأصدقائه، هنا تبدأ بواكير تعارض المصالح. حينما يختار نقابي أنشطة طلابية لا يحبها سوى ثلة من أصدقائه، وينفق عليها من خزينة اتحاد الطلبة، هنا ترتسم ملامح تعارض المصالح؛ ذلك أن التعارض هو أن يضرب المرء بعُرض الحائط مصالح المجموعة لتحقيق مصلحة خاصة.

عندما طلبت من طلبتي في الجامعة تعريف مفهوم «تعارض المصالح» (conflict of interest) أخفق معظمهم في تعريفه وفهمه. الصدمة أن نحو ثلثهم كان مستعداً لممارسته بوصفه يحقق منفعة ذاتية! بعد تفكير عميق زالت الصدمة، وبدأت أقتنع أن الأمر ليس أزمة أخلاقية؛ لأن الطلبة لن يستوعبوا التعارض وتداعياته إلا في بيئة العمل.

دخلت في نقاش مع من كان يعتقد أن التعاقد مع «ابن خالته» الذي يمتلك شركة دعاية وإعلان أفضل من «الغريب»، وأنه بوصفه مسؤولاً حكومياً مستعد لتوقيع عقده على أساس أنه لن يخذله على حد تعبيره، فبدأت أشرح له ماذا ستصنع عندما تخفق هذه الجهة في أداء عملها، أو تُوقِع المؤسسة في ورطة. هنا ستُفتح السجلات، وتوجَّه لمن وافق عليها أصابع الاتهام بالتواطؤ. مصير التنفيع الفصل أو عقوبات تأديبية قاسية. في المؤسسات العامة يحال الفرد إلى النيابة عندما يكون الأمر أخطر وأكبر من أن تتصدى له لجنة تحقيق داخلية.

خطورة تعارض المصالح أنه لا تشفع له موافقة شفهية، فقد يموت المدير أو يستقيل فيقع المرء في ورطة موافقة هلامية.

صور تعارض المصالح لا حصر لها، مثل تسريب معلومات داخلية ليستفيد منها أطراف خارجية كارتفاع مرتقب لسعر سهم، أو تعيين أقارب على حساب كفاءات، أو اتخاذ المسؤول قرارات تتمحور دوماً حول مصلحته الشخصية على حساب المؤسسة التي اؤتمن عليها؛ فكل قرار يتخذه يحرص على أن يفيده أكثر من المنظمة، وهذا شرخ صريح في نزاهته. هناك من يتخطى حدود النزاهة، فيؤسس شركة تنافس أخرى يعمل بها.

النزاهة هي عمود الخيمة في تعارض المصالح، فإن سقطت النزاهة انهارت معها كل القيم الرادعة؛ ولذلك تضع الشركات والمؤسسات العامة لوائح وقوانين تعرِّف ما هو تعارض المصالح بوضوح لا لبس فيه، وما هي قيمة الهدية الرمزية المقبول بأن يأخذها الفرد من عميل. بعض المؤسسات عرفتها بأنها لا ينبغي أن تتجاوز 100 دولار ضمن اشتراطات محددة. وعندما يريد المرء احترام العميل بقبول الهدية وإعلاء شأن النزاهة أمام الجميع فإنه يضع صندوق الشوكولاته الفاخرة في الردهة الرئيسية لمقر العمل بدلاً من أن يضعها في مكتبه أو بيته.

غير أن الأمم المتحدة تؤكد أن «تعارض المصالح لا يشير بالضرورة إلى شبهة فساد، أو وقوع جريمة، غير أن عدم تعريفها وإدارتها بشكل جيد قد يقوض نزاهتنا وقيمنا الفردية والمؤسسية».

تعارض المصالح هو فخ ينتظر خصومنا لحظة وقوعنا فيه لينالوا من سمعتنا وما تبقى من مسيرتنا المهنية.