.. روى الزميل الصحفي سيمون نصّار، حكاية يقول: إنها شائعة ومعروفة في لبنان، ففي العام 1982، وحين تقدّم الجيش الإسرائيلي لاجتياح بيروت أخذ أحد ضبّاطه بالبحث عن جسر اللوزية في خريطته العسكرية، غير أن الضابط لم يجد جسراً في لبنان كله بهذا الاسم، ويبدو أن الضابط كان معجباً بأغنية فيروز «على جسر اللوزية»، فراح يبحث عن الجسر، أو أنه اعتقد أن الأغنية التي كانت تتردّد في الإذاعات العربية آنذاك هي شيفرة ما يمكنه من خلالها التوصل إلى مسلّحين.
بالطبع، هكذا اشتغل خيال الجنرال الملتبس في الحرب، وسوف يغيب عنه أن جسر اللوزية هذا كلّه إنما هو من صنع خيال الرحابنة، وأن خيال فيروز أكبر من أي خريطة عسكرية.. أو سياسية..
في أغاني فيروز هناك الكثير من الأماكن.. من الجسور إلى المحطّات إلى الأسواق، وفي أغنيتها طير اسمه طير الوروار، وأظنه هو الآخر مثل جسر اللوزية لا وجود له على الخريطة، لكن السيدة سفيرة اللبنانيين إلى النجوم كما أطلق عليها أحد الشعراء هي واقعية أيضاً، ومرسومة بالطول تماماً مثل شجرة الأرز، وتلك هي قامتها الحادّة دائماً حين تقف على المسرح وتغني، وفي صوتها سلك كهربا كما تقول ميّ الريحاني..
..ولكن، لنعتذر من حضرة السيدة التي كان أوّل راتب لها 100 ليرة لبنانية، ثم أصبحت هي من تدفع رواتب الحب والرقة وخفّة الدم لكل بسطاء وجميلي العالم.. ولنعد، إلى ذلك الضابط الذي ترفّع إلى رتبة جنرال وظل يبحث عن الجسر ولم يجده، وإذْ خرج عن طوره وعراه ذلك الغضب الناجم عادة عن الفشل أو الإحباط، راح بخياله المحدود يبحث عن أي شيء، أو أي كائن ليفرّغ فيه عصابه النفسي دفعة واحدة..
.. مثلاً، حين اكتشف الجنرال أن جسر اللوزية ما هو سوى أُغنية، ومن الصعب بل المستحيل القبض على أغنية في موقع على الخريطة جن جنونه كما يقولون، واعتبر من باب الكبرياء أو الغرور أنه مهزوم،.. إذ كيف لأغنية؟.. مجرّد أغنية؟؟.. أن تنتصر على جنرال.
مثل هذه المقاربات التلقائية العفوية التي تقرأها الآن، لم يمرّ بها جسر اللوزية وحده أو أيّ جسر آخر في العالم..، فقد دافع الرّوس عن بلادهم كلّها أمام الألمان، لأن قبر دوستويفسكي هو الآخر مثل الجسر كان يبحث عنه الضابط ليس في الخريطة فقط، بل، في كل مكان، وفي اللحظة التي لم يصل فيها الجنرال إلى القبر (أو الجسر) يكتشف عندها أنه مهزوم..
أغنية خفيفة رقيقة تنتصر عليه..
.. قبر يمكن أن يدمّره..
.. قصيدة صغيرة تجعله.. يرتجف..
التعليقات