هل في أنظمة التعليم، من لم يسمع بمقولة جاليليو جاليلي:«إن العالم كُتب بلغة الرياضيات»؟ كلمته دوّت في الجهات الأربع، إلى حدّ أنها حجبت عن جلّ الذين سمعوا بها، شرح عبقري الفلك والرياضيات والفيزياء، المقاصدَ التي رمى إليها. المقولة بعيدة المدى، لكن تفسير أبعادها له أبعاد أخرى، وراءها كشوف حجب أخرى. ليت قوم المناهج العربية يعلمون.
المقصود جميع المناهج في كل الفروع. إذا كان العالم، أي الكون، قد كتب بلغة الرياضيات، فإن ما ينضوي تحت مظلة الكون، لا شك في أنه بنحو أو آخر قد كتب بلغة الرياضيات. مثلاً: إذا كان الكون قد كتب بلغة الرياضيات، فإن الموسيقى قطعاً كتبت بلغة الرياضيات. أوَ ليست الإيقاعات رياضيات؟ أو ليست الموجات الصوتية ذبذبات وتردّدات، أي فيزياء، بالتالي رياضيات في كتابة معادلاتها؟
قبل أن تطوّح بنا جولة المقولة، نلقي نظرة على شرح جاليلي نفسه لمقولته. يقول:«بشريّاً، لا يمكن أن نفهم ولا حتى كلمةً واحدةً من الطبيعة، من دون الرياضيات. لأن الفيزياء التي خُلقت بها الطبيعة، كتبت بلغة الرياضيات». أرأيتَ كيف أن الشرح يشرح صدر ذهنك، ويضع عن عقلك وزر التيه في متاهات المقولة المقتضبة. صدق متصوفنا النَّفّري:«إذا اتّسع المعنى ضاقت العبارة».
مخضرم القرنين السادس عشر والسابع عشر، لم تكن العلوم، وقمتها الفيزياء قد بلغت ذراها في عصره، كانت نظريات أرسطو هي المهيمنة، ومنها النظرية الكاريكاتورية:«عالم ما فوق القمر، وعالم ما دون القمر»، وإذا بالإيطالي ابن مدينة بيزا، بمنظار بدائي يرى على سطح القمر ظلالاً، فقال بتعبير الشاعر الباكستاني محمد إقبال:«إن معدنه ترابيّ»، أي القمر من مادّة الأرض. لقد أدرك أن العالم تختلف مظاهره، ولكنه بتعبير عرفائنا: الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة.
عاتبت القلم: كيف فاتك طرح هذا الموضوع أمس الجمعة؟ أليس أحرى بالإعلام أن يرسّخ في الأذهان أنه من أساطير الأولين الفصل بين العلم والإيمان؟ بعد الرياضيات والفيزياء جاءت الكيمياء جسراً نحو الحياة أي البيولوجيا. هكذا نكون أمام منظومة روائع تتجاوب فيها العلوم والإيمان والعرفان. سمعك وبصرك وشمّك وذوقك ولمسك، كلها معادلات فيزياء كوانتوم، في اتصال مباشر مع أكبر كبير، الكون، هذا«العالم الذي لا نستطيع أن نفهم منه ولا حتى كلمةً واحدة من دون الرياضيات».
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغزية: ما هي المعجزة التي نُقنع بها المناهج العربية، حتى تحتل الرياضيات والفيزياء، المكانة اللائقة بهما؟
التعليقات