مشكلتنا في الدولة إدارية، ولا علاقة لمشاكلنا بمجلس ولا دستور. وبالتالي فإن مشكلة الكهرباء مشكلة إدارية بحتة، وليست مالية ولا غيرها. فمنذ سنوات تزيد على العشرين، ونحن ننتج طاقة كهربائية بأكثر من حاجتنا، لكنها تضيع بسبب سوء إدارة الجهات المعنية للمرفق. ففي كل صيف تكتفي الوزارة بالتحذير من انقطاع الكهرباء، من دون أن تفعل أكثر من ذلك.

فقد فشل مسؤولو الوزارة –الغالبية إن لم يكن الكل– في معالجة الإسراف والهدر الحكوميين في الطاقة، فهناك مئات الجهات الحكومية التي تعمل فيها المكيفات 24 /‏‏ 7 طوال أشهر الصيف، دون أن تطلب منها جهة خفض الاستهلاك، وأخرى فرق التفتيش عليها توقفت قبل أكثر من 15 عاماً.

كما تقاعس غالبية مسؤولي الوزارة، وغالباً عن عمد، في تحصيل ما للدولة على المستهلكين. وتقاعسوا عن تبديل كل العدادات القديمة بأخرى ذكية، على الرغم من تكرار الإعلان عن طرح مناقصاتها، أو تركيبها. وتقاعسوا حتى عن تركيب عدادات لمئات الجهات التي كانت تحصل على الكهرباء، وربما لا تزال، مجاناً.

وأصرت الجهات نفسها على توظيف غير المؤهلين لإدارة أكثر قطاعات الوزارة تعقيداً، أو على الأقل لم يبدوا أي اعتراض جدي على من فرض توظيفهم عليهم. فلم يحدث، في تاريخ الوزارة، أن رفض مسؤول تدخل النواب في عمله، غير حالات نادرة، وكان سكوتهم علامة قبول للوضع المزري!

بدأت مشكلتي مع وزارة الكهرباء قبل ثلاثين عاماً، عندما ذهبت للمرة الخامسة، لمكتب حولي لدفع ما تراكم علي من استهلاك كهرباء البيت، وكان الجواب دائماً راجعنا بعد شهرين، وعندما شكوت لمدير المكتب قال لي حرفياً: «لا نريدك أن تدفع، علشان إحنا أيضاً ما ندفع، خلاص لا تراجعنا بعد»! وكتبت عن الحالة، وظهرت في أكثر من برنامج تلفزيوني أشتكي من تراكم فواتير الكهرباء، ولا من مجيب. وفي حالة أخرى كتبت عنها مرات عدة، ذهبت شخصياً، مرات عدة، لوكيلين على الأقل، شاكياً من أن مخازننا في صبحان، ومساحتها قرابة عشرة آلاف متر²، ومئات غيرها، تحصل على الكهرباء مجاناً، لافتقادها لعدادات، فلم يفعل أي من الوكيلين شيئاً، وظهر أحدهما، أخيراً، في برنامج إخباري ليعلن أن في عهده «كانت الأمور... والحمد لله طيبة»!

الإدارة الحكومية هي المشكلة، فكل مسؤولي الوزارة كانوا على علم تام بأن التوسع الأفقي في بناء المدن السكنية الجديدة، دون أي دراسة لاحتياجاتها، سوف تنتج عنه ضغوط هائلة يستحيل على محطات الطاقة الحالية تلبيتها، في ظل غياب الصيانة الضرورية وانتشار الفساد والهدر في كل جهة، وبسبب الإهمال ورخص الكهرباء المفزع. ومع هذا لم يقم أي مسؤول برفع صوته، والاستقالة، إبراء للذمة، على الأقل.

فساد الكثير من المسؤولين في وزارة الكهرباء هو جزء من الفساد الذي أصاب كل مؤسسات الدولة، ولم يكن هناك يوماً سبب لأن تكون وزارة الكهرباء «غير»، ولا داعي للظهور الإعلامي للبعض والتنصل من المسؤولية! فهذا الفساد ما كان ليستمر لو كانت هناك محاسبة «حكومية»، والتي بدأت بالتحرك... أخيراً.

ملاحظة: أخبرني صديق أننا فشلنا، مرات عدة، في الاستعانة بكامل حاجتنا من الطاقة من خلال الربط الكهربائي مع السعودية، والسبب تهالك البنية التحتية لدينا، بعد سنوات من الإهمال وغياب الصيانة!

ألا يشعر مسؤولو وزارة الكهرباء، الحاليون والسابقون، بالمسؤولية، أو حتى بالخجل، من الوضع الكارثي الحالي للوزارة؟

أحمد الصراف