أيام قليلة متبقية وتدخل فرنسا اختباراً صعباً لخوض غمار الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي أرادها الرئيس ماكرون لتوضيح المشهد الفرنسي بعد خسارة حزبه في انتخابات البرلمان الأوروبي على يد اليمين المتطرف، وهي في حالة من الارتباك وعدم اليقين إزاء خريطة الطريق التي ستسلكها فرنسا داخلياً وخارجياً.
إنها لحظة «خطرة جداً» بالفعل، كما عبّر عنها ماكرون نفسه، بسبب الانقسامات الكبيرة بين القوى السياسية المختلفة، واندفاع اليمين المتطرف الناجم عن تحوّل المجتمع الفرنسي نحو اليمين، وحاجته إلى التغيير، والإخفاقات الناجمة عن السياسات التي انتهجها حزب ماكرون وحلفائه، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
من المبكر الجزم بإمكانية فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان بالأغلبية المطلقة من مقاعد الجمعية الوطنية، لكنه يدخل الانتخابات وهو أكثر ثقة بعد فوزه الأوروبي الذي منحه 30 مقعداً في البرلمان الأوروبي، أي أكثر من ضعف عدد ممثلي حزب ماكرون (النهضة)، كما أنه يدخل الانتخابات التشريعية متصدراً استطلاعات الرأي، يليه تحالف اليسار المنضوي تحت اسم «الجبهة الشعبية الجديدة»، وبفارق كبير عن المعسكر الرئاسي المتراجع. لكن لا يبدو أن أياً من الكتل الرئيسية الثلاث سيحصل على الأغلبية المطلقة، بحسب توقعات المراقبين والمحللين، وبالتالي فإن المرجح أن يتربع رأسان على عرش السلطة في ظل إصرار ماكرون على البقاء حتى انتهاء ولايته الرئاسية عام 2027. أي أن ماكرون سيضطر إلى «المساكنة» مع رئيس الوزراء الذي يرجح أن يكون رئيس حزب «التجمع الوطني» جوردان بارديلا، على غرار ما حدث عام 1997 حينما دعا الرئيس الديغولي آنذاك جاك شيراك إلى انتخابات مبكرة وفاز فيها الحزب «الاشتراكي» وحمل رئيسه ليونيل جوسبان إلى رئاسة الوزراء لمدة خمس سنوات.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان ماكرون متعجلاً في دعوته للانتخابات المبكرة، والتي وصفت بأنها زلزال سياسي يفتح أبواب السلطة أمام اليمين المتطرف؟ ماكرون الذي ترك الخيار للفرنسيين، انطلاقاً مما سماه «قيم الجمهورية»، كان يراهن على وقوف الجميع في مواجهة اليمين المتطرف واليسار معاً، باعتبارهما «متطرفين» وليسا جادين واقعياً سياسياً أو اقتصادياً من وجهة نظره. وكان يدرك أن السياسة الخارجية هي حصراً من صلاحيات رئيس الجمهورية، لكنه أيضاً كان يدرك أن الوصول إلى هذه المرحلة سيجعله ضعيفاً، وسيضع فرنسا بين نارين: «اليمين المتطرف» وتحالف اليسار.
المشكلة الحقيقية هي أن فرنسا ليست كغيرها من دول الفضاء الأوروبي، وإنما هي أحد أعمدة البناء الأوروبي مع ألمانيا، بينما كان هو شخصياً يطمح إلى زعامة الاتحاد الأوروبي، ويرى نفسه القاطرة الأوروبية التي جرّت معظم دول القارة إلى دعم أوكرانيا، ويتطلع إلى تكريس نفسه محاوراً أوروبياً ودولياً.
الآن يجد ماكرون نفسه أمام كتلتين متناقضتين، تتجاذبان الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فرنسا، وهو ما يعني، أن بريق فرنسا سيخفت كثيراً في السنوات المقبلة في ظل انطوائية اليمين المتطرف.
التعليقات