هذه السطور أكتبها ليس عن الشحنة التي اشتريتها عبر إحدى البوابات، أو الأسواق الإلكترونية، من الخارج ولم تصل، نتيجة الوضع غير الآمن في الممرات المائيّة في البحر الأحمر، فمنذ إلغاء تلك الشحنة، وحتى الآن جرت أمور كثيرة، وتدهور الوضع الأمني بشكل أصبح خطر على الملاحة الدولية.

إن وضع البحر الأحمر والدول المطلة عليه أصبح أشبه ما يكون بالمنطقة الرمادية الذي أشار إليها تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن، والذي حذّر من أن الصين يمكنها استرجاع تايوان لحضيرتها دون إطلاق رصاصة واحدة، وذلك من خلال استخدام تكتيكات «المنطقة الرمادية»، وفرض عزل كامل أو جزئي على تايوان، وربما قطع الوصول إلى موانئها وقطع الإمدادات الحيوية مثل الطاقة عن سكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليون نسمة - وهو تكتيك يختلف عن الحصار.

بالفعل فإن الوضع غير الآمن للممرات المائية في البحر الأحمر قد أثرت على حركة الملاحة والتجارة عبر باب المندب بشكل خطير. فهذا المضيق، ليس ممر عادي، وإنما شريان تجاري تمر عبره 10% من إجمالي التجارة العالمية. التي تقدر قيمتها بنحو 700 مليار دولار في العام، تستخدم لنقلها أكثر من 25 ألف سفينة. ولذلك، فإن تدهور الوضع الأمني في هذا الممر التجاري أدى إلى ارتفاع تكاليف البضائع المستوردة والوقود، وذلك جراء ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مما أدى إلى تراجع الحركة التجارية عبره بنسبة وصلت إلى 80%.

وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في البلدان التي تتأثر خطوط إمداداتها بالوضع المضطرب للملاحة في البحر الأحمر، وهذا يشملنا ضمن كافة الدول المحيطة بهذا بالبحر. وعلى هذا الأساس، فمن المتوقع أن تتحمل شركاتنا تكاليف إضافية، تؤدي إلى انخفاض تنافسية المنتجات السعودية المصدرة للخارج.

من ناحية أخرى، فإن أسعار وارداتنا وعلى رأسها المواد الغذائية بما فيها الخضراوات، الفاكهة، اللحوم، الحبوب، وكافة السلع الغذائية المصنعة هي الأخرى ارتفعت أو تتوجه نحو الارتفاع. وهذا سوف يستمر طالما استمر الوضع المتوتر في البحر الأحمر.

كذلك، فإن إمدادات مصادر الطاقة من الخليج ودول مجلس التعاون، التي تقدر بـ20.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثّفات والمنتجات النفطية- أي ما يعادل نحو 40% من الإنتاج العالمي من النفط سوف تتأثر، حيث تمر عبر البحر الأحمر شحنات النفط والغاز المتوجهة إلى أفريقيا وأوروبا والأمريكتين.

وهذه فاتورة كبيرة إضافية ندفعها، أو بالأصح تضحيات غير مباشرة للحرب الظالمة في غزة. ولذلك فإن هذه الفاتورة يفترض أن ترفع إلى مجلس الأمن وتقدم للدول التي تدعم الحرب في غزة، وتعرقل تنفيذ الشرعية الدولية، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.