من يعش حياة هادئة بهجر أولئك المازخيين المتلذذين بآلام الناس لن يزعجه شيء مهما كان نوعه من عبيد التفاهة.. وفي الابتعاد عن الصهيل المعلَّب لأصحاب هذا الوباء الخسيس علاج لكسورنا المتناثرة، ومنح أنفسنا حق العيش براحة حتى آخر العُمر.. أما من يسجل خوفاً بطعم الحياة من أولئك المستعبدين للناس فلن يرى إلا أجزاء زفرات متناثرة تخرج من صدره النقي.

•• •• ••

فمن يلتقط خبرات الآخرين ويصبها على روحه بغزارة كمطر منهمر فإنه يستفيد من تجاربهم، فلا تتكلس أفكاره ويتسلط عليه الجهل.. ولمَّا يمتلك معرفة تراكمية وفيضاً هائلاً من المعلومات؛ يبدأ من حيث انتهى الآخرون بتوفير جهده في توليد معارف من سبقه.. أما عندما يمارس تجارب لا معنى لها، ويفِرُّ من خبرات حياتية واقعية كمن يهرب من ظله، لن نسترد روحه الضائعة.

•• •• ••

ومن يُرْزأ بثَلِمةٍ أو يُبتلى بقلق يبتعد عن البهجة والأُنس فيفقد صوته المُشرِق في الحياة ويجعلها أضيق من خرم إبرة.. وحين نقلِّب دفاتر ذكريات كالحة بالشجن والكَمَد سنعيش كآبة خرساء كحيطان صماء نلتصق بها من البكاء فلا تأخذنا بين ذراعيها.. أما عندما نجعل الأيام تنضج في فرن محبة الحياة فسوف ترغمنا على الابتسامة ونسيان الهموم، وتمنحنا قدراً نفسياً واجتماعياً عالياً.

•• •• ••

ومن يعاني أتعاب الحياة يستورد ملاذات تطهير نفسه العميقة، وعند «غيض تلفيق» قاسٍ للروح، تُجلب فضفضة قلب تسكن غابة الذات.. وفي «شِدة ظلم» مُثقَل بعناصر الدهشة تغمرنا حياة مضيئة بملامح انتعاشه تلتقي في منعطف النفس بالأمل والتفاؤل، واحتفاء بالدنيا وأناقتها.. أما من أصابه افتراء وتسرب إلى نسمات رئته فيطويه بثوب من قماش ناصع البياض ليتوارى وهجها ويعود لحياته الوضاءة.

•• •• ••

ومن يتوارى عن الهزائم بيقين يُوصله إلى نقطة التوهج لن يشعر بالخفوت، ولن تمسه ملامح الكدر، كأب يتبختر بأطفاله النيام.. وحين يتبحر المغموم في كربته مهزوماً منكسراً، وتمتلئ عيناه بالدموع سيجلد ذاته بهموم شقية لا يستطيع بعدها التعايش مع المتاعب.. أما الذي يلتحق بمن يُتقن تجربة فنون الحياة بأسرارها وممارساتها سيصبح كنجمة تلمع في السماء، ويضيف لدنياه أكثر من حياة.