منذ إعلانه «لبنان الكبير» عام 1920، ومنذ استقلاله عن الاستعمار الفرنسي عام 1943، ثم الخروج النهائي للقوات الفرنسية عام 1946، منذ ذلك الوقت، ولبنان بين المطرقة والسندان؛ مطرقة الطائفية، وسندان المحيط الذي يموج بالأزمات.

يجاور فلسطين، أهم قضية عربية، بل عالمية في القرن العشرين، ومع ظهور الاحتلال الإسرائيلي على هذه الأرض منذ عام 1948، وإعلان دولته كان لبنان قاسماً مشتركاً في جميع الحروب والأزمات.

الآن، يعيش لبنان واحدة من أعقد الأزمات التي مر بها عبر تاريخه، فقد يحدث ما يخشاه الغرب والشرق، وتقع الحرب بين إسرائيل ولبنان، وأياً كانت السياقات التي وضعت لبنان في هذا الموقف، فإن الحرب إذا ما وقعت، فإن لبنان ليس وحده من سيدفع الثمن، بل الشرق الأوسط بالكامل.

بعض الخبراء الاستراتيجيين يقدرون أن هذه الحرب، قد تطال مناطق عالمية أخرى، وتشتبك فيها أطراف وقوى دولية بعيدة عن المحيط العربي واللبناني، أي أن اندلاع هذه الحرب، سيكون بمثابة الشرارة التي يمكن أن تشعل حرباً عالمية جديدة.

طوال الأشهر العشرة الماضية، تحركت قوى عالمية، على رأسها فرنسا، الحليف التاريخي للبنان، من أجل منع توسع الحرب بين إسرائيل ولبنان، فضلاً عن تحركات الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى أن مصلحتها تكمن في عدم توسيع الحرب، فقد تابعنا الجولات المكوكية لمبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى تل أبيب وبيروت، بهدف كبح جماح توجه الحكومة الإسرائيلية نحو تمديد الحرب.

هناك تحركات إقليمية وعربية، لمنع هذه الحرب، وقد جرت جولة مفاوضات في إحدى العواصم العربية بين واشنطن وطهران، لقطع الطريق على دعاة التصعيد والنفخ في بوق الحرب.

بين كل هذه المساعي، وبين التصعيد الإسرائيلي، يمكننا رسم ثلاثة سيناريوهات للأيام المقبلة بين إسرائيل ولبنان.

أول هذه السيناريوهات، يتمثل في حرص الطرفين على بقاء قواعد الاشتباك الحالية كما هي، وأن تكون تحت الضبط، مثلما تحدث الآن في صورة قصف متبادل على جانبي الحدود، ضمن نطاق جغرافي، وأبعاد محددة، لا يتم تجاوزها، أو اختراقها من الطرفين.

أما السيناريو الثاني، فيقوم على عملية إسرائيلية محدودة، ما بين الحدود اللبنانية ونهر الليطاني، بهدف تراجع «حزب الله» بمسافة 30 كيلو متراً شمال نهر الليطاني، وهو القرار رقم 1701، الذي أنهى الحرب في عام 2006.

وتسعى إسرائيل من خلال هذا السيناريو إلى خلق منطقة عازلة شمال حدود إسرائيل، لتأمين نحو مائة ألف إسرائيلي، في مناطق الجليل الأعلى، ومناطق الحدود مع لبنان، وعدم تكرار سيناريو 7 أكتوبر 2023، في شمال إسرائيل، بينما يتمسك حزب الله بنفس القرار 1701، بأن يكون موجوداً على الحدود اللبنانية الجنوبية، مستعيداً كل الأراضي، بما فيها مزارع شبعا وكفر شوبا.

يقوم السيناريو الثالث، على إشعال وضرب العمق اللبناني بالكامل، بما فيها الأهداف المدنية، مثل محطات الكهرباء في بيروت، وطرابلس، ومحطات المياه، بهدف توسيع الفجوة بين «حزب الله».

والشعب اللبناني، لكن «حزب الله» يؤكد أنه قادر من خلال ما يمتلكه من أسلحة وترسانة عسكرية ضخمة، أن يطول كل مناطق إسرائيل في الشمال، والوسط والجنوب، وأن القبة الحديدية ومنظومات أرو، ومقلاع داود، لن تستطيع أن تحمي إسرائيل من آلاف الطائرات والصواريخ، ذات المدى البعيد، التي يمكن أن يطلقها «حزب الله».

إذن، وسط هذه السيناريوهات، يجب أن يرفع الجميع يده عن لبنان، فكفى لبنان مشكلاته الاقتصادية والسياسية، متمثلة في عدم انتخاب رئيس وزراء، وشغور رئاسي، وصراع سياسي بين الطوائف، فتغذية هذه الحرب، ليس في صالح أي قوى إقليمية، أو دولية، مع الوضع في الاعتبار أن مفتاح تفادي الحرب الإسرائيلية مع لبنان، يبدأ وينتهي عند وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، معترف بها دولياً.