انحدرت علاقات فرنسا بتونس والجزائر والمغرب، إلى حالة من التوتر والفتور لم تبلغها منذ عقود من الزمن، أما العلاقات مع ليبيا وموريتانيا، فهي ليست بالعمق مع الدول الثلاث الأخرى، ولذلك فإنّ تأثير صعود اليمين المتطرف على علاقات فرنسا بهذه الدول سيرتبط بخصوصية العلاقة بين باريس والعواصم المغاربية.
ويذهب بعض المراقبين إلى أن صعود اليمين المتطرف في فرنسا من شأنه أن يثير حالة من الخوف والقلق بين أبناء الجاليات، خصوصاً تلك التي تنحدر من أصول غير فرنسية، مثل الجاليات العربية المنحدرة من شمال إفريقيا، فالشعارات التي يرفعها اليمين الفرنسي لا تعد مطمئنة لتلك الجاليات، في ضوء تحميل القادة الشعبويين الهجرة والمهاجرين مسؤولية العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها فرنسا
وفي ما يخصّ العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا المتوترة منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً، قد تشهد المزيد من التوتر في حال فاز اليمين المتشدد الفرنسي، هذا تحليل مجلة «جون أفريك»، المتخصصة في الشؤون الإفريقيّة. وتعتقد المجلة، في عددها الصادر يوم 19 يونيو/حزيران الماضي، أنّ وصول حزب «التجمع الوطني»، المصنّف سياسياً في خانة أقصى اليمين، وتعيين جوردان بارديلا رئيساً للوزراء، لن يؤدي إلا إلى «تبعات ثقيلة» على العلاقات الثنائية بين البلدين. وأشارت «جون أفريك» إلى أنّه «لا يمكن تصوّر قدوم الرئيس الجزائري لزيارة فرنسا في جوّ من العدائية، ولا تَخَيُّل (الرئيس) عبدالمجيد تبون مصافحاً جوردان باريلا، ولا مشاركاً في عشاء رسمي في قصر الإليزيه بحضور وزراء من عائلة مارين لوبان».
تجدر الإشارة إلى أنّ حزب «التجمّع الوطني» انبثق من حزب «الجبهة الوطنية» الذي أسّسه جان ماري لوبان، والد مارين، صاحب شعار «الجزائر فرنسية». وسبق أن واجه جان ماري لوبان اتهامات بارتكاب أعمال تعذيب في الجزائر عام 1957 أثناء حرب التحرير. وقد أعلن حزب «التجمع الوطني» الفرنسي اليميني المتطرف، عزمه إلغاء الاتفاقيات التي تربط فرنسا بالجزائر في ما يتعلق بالهجرة، في حال وصوله إلى الحكم. وجاء هذا التصريح بعد تصدّر الحزب الذي أسسته مارين لوبان، الانتخابات البرلمانية الأوروبية. وبعد تقدّم الحزب في الجولة الأولى من الانتخابات، سيزداد الحديث عن العلاقات مع الجزائر أكثر حدّة. وقال القيادي في الحزب سيباستيان شينو، في مقابلة مع تلفزيون «BFM TV»: «نقترح إلغاء اتفاقيات 1968 التي تربطنا بالجزائر، والتي وُضعت لتسهيل الهجرة الاقتصادية؛ استجابة للحاجة إلى العمالة المهاجرة حينها»، مستطرداً بأن تلك الاتفاقيات لم يعد لها سبب للوجود اليوم. وتابع شينو: «على أي حال، سنطرحها للمناقشة فور وصولنا إلى السلطة، وسنعيد تعريفها بحيث لا تنتقص من الحق في الهجرة». وثمة عوامل أخرى ستحدد العلاقة بين فرنسا المتطرفة والجزائر مستقبلاً، وهي الصراع في منطقة الساحل والصحراء، والتي بلغت في مرحلة ما من حكم ماكرون حدّ إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطيران الفرنسي في خضم «عملية برخان» العسكرية الفرنسية في مالي ودول الساحل والصحراء. وعليه فإنّ وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في فرنسا سيعني مزيداً من تدهور العلاقات مع الجزائر، وقد تكون ورقة اتفاقية الهجرة لعام 1968 هي النقطة التي ستفيض كأس الخلافات بين العاصمتين القويتين.
وعلى خلاف العلاقات مع الجزائر، يعد المغرب شريكاً استراتيجياً لفرنسا في مجالات عدة، ونموذجاً مهماً من وجهة نظر فرنسية في المنطقة، ولا تُذكر لمارين لوبان مواقف واضحة من العلاقة مع تونس، إلا في عام 2015 وإبان العمليات الإرهابية في باردو، أعلنت تضامنها مع تونس واتهمت الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بتدمير ليبيا وتصدير الإرهاب إلى تونس، التي اعتبرتها في ذلك الوقت الضحية الأولى للإرهاب الذي صنعه ساركوزي. كما أن لوبان عُرفت بمواقفها الرافضة لتدمير الدولة الليبية في عام 2011، معتبرة أن نظام القذافي كان يمثل حصناً منيعاً لأوروبا ضد الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
التعليقات