أنا متفهمٌ لموقف المثقف والسياسي الفلسطيني، مصطفى البرغوثي، الذي يتعرَّض حالياً لهجمات إعلامية وتعليقات عنيفة بسبب اجتماعه في مؤتمر خارجي بإيطاليا مع وزير إسرائيلي سابق.

التفاصيل تقول إنَّ البرغوثي بعدما نفى المشاركة في أي لقاء يجمع شخصيات إسرائيلية، عاد واعترف بالأمر، خصوصاً بعد نشر مقطع فيديو له يعانق الوزير الإسرائيلي السابق شلومو بن عامي ويقول: «إنه لشرف عظيم لي أن أكونَ مع شلومو بن عامي».

الفيديو أثار سخطاً واسعاً ضد البرغوثي، ولم يقتصر الغضب ضد البرغوثي على فيديو العناق، بل تصريحاته الموثقة بالصوت والصورة، التي تناقض مواقفه السابقة، فقد قال: «أنا ضد قتل الفلسطيني والإسرائيلي... أنتم تعرفونني». ليس هذا وحسب بل قال البرغوثي: «أنا أتعاطف مع الشعب اليهودي الذي عانى من الهولوكست ومعاداة السامية». وطالب بإدخال قوات دولية لغزة ودعا لإقامة دولة واحدة مع الإسرائيليين.

أنا أتَّفق مع كلام البرغوثي هذا، رغم أنَّه حاول نفيه وإظهار نفسه بصورة المخدوع الذي وقع في فخ خبيث.

الأمر هنا أنَّ من يملك رأياً واضحاً من النخب الفلسطينية أو العربية تجاه ما يجري وجرى من قبل وسيجري، للأسف، لاحقاً في موضوع القضية الفلسطينية، عليه أنَّ يقوله بكل وضوح وصراحة، وأن لا يخضع لابتزاز المزايدين والشتامين.

تكلفة الصراحة هنا، والصمود تجاه هجمات الشعبويين أو العاطفيين السُّذج، أو المزايدين المتاجرين، أهون من تكلفة التمادي في التكاذب الجماعي، والضحية هي فلسطين وأهلها في نهاية الأمر.

إن انتقدت بقلب صادق وكلام واضح وشفقة أمينة، فأنت تفعل ذلك لأنَّك تحب قضيتك وأهلها، أما التدليس و«الطبطبة» والنفخة الكذابة، فكل يحسنها.

قلنا ونقول من قبل ومن بعد، بخصوص موضوع فلسطين، نتنياهو ويمينه المتعصب مثل «حماس» ومن شابهها من القوى الفلسطينية، كلهم أضرّوا بشعبهم وقضيتهم، كلا الطرفين... هل صعب قول هذا!؟

المشكلة الكبيرة حين ينزل العارف إلى حلبة لزجة من الكلام «الفاضي» فقط لتلميع صورته الشعبوية وترديد ما «يطلبه الجمهور»، والمشكلة أنه جمهور مصنوع على هوى بعض الفضائيات والمعلقين الأشاوس في منصة «إكس» أو «تيك توك»، وبذلك قضوا واجبَهم الجهادي والنضالي (جهاد أو نضال حسب لونك الحزبي!).

الصدق عملة صعبة لكنَّه أقرب الطرق للشقاء.