الميجور نير أفيشاى كوهن الضابط والقائد بالجيش الإسرائيلي، وأحد أفراد قوة الاحتياط، عرف بأنه صاحب رؤية مكتملة فيما يجرى بين إسرائيل والفلسطينيين سبق أن سجلها في كتاب من تأليفه كان عنوانه «أحب إسرائيل وأؤيد الفلسطينيين».

كوهن جرى استدعاؤه من مقر إقامته الحالي في أوستن بولاية تكساس، ليشارك في قيادة الحرب على غزة.

ًوتحدثت معه صحيفة «نيويورك تايمز» حول أمر استدعائه فاختار أن يكتب لها بالتفصيل مهمته في إسرائيل بعد تلقيه اتصالاً من قائد الجيش الإسرائيلي للعودة وقيادة وحدة قتالية على الخط الأمامي في غزة.

يقول كوهن نصاً: بعد هذا الاتصال لم أتردد في العودة، فأنا أعلم كمواطن أن إسرائيل تواجه خطراً حقيقياً وركبت الطائرة عائداً إلى إسرائيل، لكن عقلي لم يراوده شعور بالراحة أثناء ساعات الرحلة.

ورحت وأنا على مقعدي بالطائرة أكتب مشاعري وأفكاري في تلك اللحظات حول ما يجري في إسرائيل البلد الذي أنتمي إليه والذي أحبه. لكنني وجدت أن علىّ واجباً قبل العودة والمشاركة في الحرب، وإن من واجبى أن أقول شيئاً ضرورياً وهو أنه لا يوجد شيء أياً كان لا يمكن تجنبه، فالحرب أيضاً يمكن تجنبها، لكن لا أحد فعل ما يكفي لمنع الحرب، ولم تفعل إسرائيل الكثير من أجل تحقيق السلام، فنحن الإسرائيليون سيطرنا على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وتوسعنا في إقامة المستوطنات غير الشرعية، وفرضنا على غزة حصاراً طويل الأجل.

وطوال سنوات تزيد على 56 عاماً فإن إسرائيل أخضعت الفلسطينيين لحكم عسكري قمعي.

وتذكرت أنني سبق أن سجلت في كتابي «أحب إسرائيل وأؤيد الفلسطينيين» أنه يجب على المجتمع الإسرائيلي أن يسأل نفسه أسئلة شديدة الأهمية حول ما إذا كان يدرك ويعي ما يراق من دم أبنائه وبناته، فلقد جرّتنا وراءها أقلية دينية متطرفة، إلى مستنقع موحل كما لو كنا نسير في ركاب زمّار ونحن نردد وراءه ما يعزفه.

هذه الكلمات كتبتها في العام الماضي ووقتها لم نكن قد تيقنا من مدى العمق الذي غرقنا فيه في الوحل، أو أي كميات من الدماء يمكن أن تراق في وقت قصير.

والآن فإنني ذاهب للدفاع عن بلدي ضد من قالوا عنهم إنهم أعداء يريدون قتل شعبي، وإن أعداءنا هم منظمات إرهابية وقتلة يخضعون لسيطرة متطرفين، لكن الحقيقة هي أن الفلسطينيين ليسوا هم العدو، فإن ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون بجوارنا في المسافة بين البحر المتوسط ونهر الأردن ليسوا أعداءنا.

ومثلما نريد -نحن الإسرائيليين- أن نعيش حياة هادئة ومشرفة وفي سلام، فإن ذلك هو نفسه ما يريده الفلسطينيون.

وباعتباري «ميجور» احتياطياً في الجيش الإسرائيلي فقد كان من واجبي أن أوضح أن ما نحن فيه اليوم هو حرب جديدة لا يمكن وقفها، ولا يمكننا في مسعانا لمنع قتل إسرائيليين أبرياء، أن نسمح بقتل فلسطينيين أبرياء.

وكان يجب على إسرائيل أن تعترف بأن هناك أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في غزة، وأن الغالبية العظمى منهم أناس أبرياء. وهو ما كان يفرض على إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لتجنب قتل أناس أبرياء.

وأقول إن الحرب مثلها مثل أي حروب سوف تنتهي عاجلاً أو آجلاً، ويجب علينا إدانة المتطرفين الذين يجرّونا إلى الحرب المدفوعة بتطرفهم العقائدي، كما كان يجب طرد الوزيرين المتطرفين وزير الأمن القومي بن غفير، ووزير المالية سمو تريتش.

وعلينا أن نتذكر أن حرب عام 1973 كانت أصعب حرب عرفتها إسرائيل في تاريخها، والتي كانت مفاجأة لها، وبعدها تم توقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979، وهو ما ينبغي أن يجعل إسرائيل تعرف أنه لا يوجد ضمان للأمن أكبر من السلام، بل إن أقوى الجيوش مهما كان، لا يمكنه أن يحمى بلده بالشكل الذي يحميه به السلام.

كان هذا التسجيل الحرفي لرؤية ضابط بالجيش الإسرائيلي، وأثناء استدعائه من عطلته في أمريكا، للقيام بدور قيادي في حرب غزة، فهو يسجل رؤيته وأحاسيسه من واقع كونه صار في الوقت نفسه باحثاً ومؤلفاً، وهو يسرد بالمعلومات النابعة من خبرة وتأمل ووعي مكتمل، لحقيقة عداء إسرائيل للفلسطينيين، وأن هذا هو سر الأزمة المشتعلة الآن، من ثم يضع نفسه في موقع الناصح لبلده من أن هذه الحرب ليست إنقاذاً لإسرائيل، بل إن السلام هو الإنقاذ الوحيد لها.