كل التعهدات بعيدة المدى التي قدّمها حلف "الناتو" للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في قمة واشنطن، لا تعادل طموحه إلى تحديد موعد محدّد كي تصير بلاده عضواً كامل العضوية في الحلف الغربي.
ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن من تحالف تقوده الولايات المتحدة، ويضمّ ألمانيا وإيطاليا وهولندا ورومانيا، لتزويد أوكرانيا بعشرات منظومات الدفاع الجوي التكتيكي، والخطط التي يعمل الحلف لإقرارها بمساعدة تصل إلى 100 مليار دولار على مدى سنوات، وتقديم موعد تسليم مقاتلات "أف-16"، تؤشر إلى تقدّم كبير ونوعي في المجال التسليحي، لكن هذا لا يخدم فرضية الردع التي ينشدها زيلينسكي، وعدم انتظار أن تضع الحرب أوزارها كي يقرّر "الناتو" ضمّ أوكرانيا رسمياً.
على الضفة المقابلة، يفكر بايدن وباقي الأعضاء في الحلف مرّتين قبل اتخاذ قرار جيوسياسي على هذا القدر من الخطورة، طالما الحرب مستمرة، لأنه يعني عملياً أن الدول الأعضاء في "الناتو" ستكون ملزمة، بموجب البند الخامس من ميثاق الحلف، بالدفاع عن أوكرانيا وتالياً الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، القوة النووية الأولى في العالم.
وفي رأي زيلينسكي، أن كل الأسلحة التي يقدّمها له الغرب لن تُغني عن قرار جريء يتخذه الحلف بضمّ صريح لأوكرانيا، بوصفه السبيل الوحيد الذي سيحمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وقف الحرب والانسحاب من أوكرانيا.
ويبحث قادة الأطلسي الذين لا يبدون كلهم الحماس نفسه لضمّ أوكرانيا والتورط في حرب مباشرة مع روسيا، باستثناء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورؤساء جمهوريات البلطيق وبولندا، عن مقاربة توازن بين وضع مسار لا رجوع عنه للضمّ، وبين الانتظار ريثما تنتهي الحرب وتتضح ما ستسفر عنه من معادلات عسكرية وسياسية، والتزام الحذر من توسع الحرب إلى دول أخرى، أو تحولها حرباً عالمية ثالثة بين قوى نووية.
يحذّر زيلينسكي القادة في قاعة ميلون بواشنطن، التي شهدت ولادة "الناتو" قبل 75 عاماً، لمواجهة الاتحاد السوفياتي في عام 1949 في ذروة الصراع بين القوى العالمية، من أن الانتظار حتى تشرين الثاني (نوفمبر) موعد الانتخابات الأميركية لن يحمي أوكرانيا، ولا يخفي مخاوف مما قد يتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المفترض للسباق الرئاسي، من قرارات في حال عودته إلى البيت الأبيض. وعليه، يريد قراراً حاسماً من الأطلسي بضمّ أوكرانيا الآن قبل فوات الآون، بما يمكن أن يُلزم ترامب لاحقاً.
وزيلينسكي وقادة في الناتو على وعي تام بمعضلة حقيقية تواجه بايدن، بعد الأداء السيئ في المناظرة الرئاسية الأولى مع ترامب في 27 حزيران (يونيو) الماضي، وما فجّرته من جدل آخذ في التصاعد حول قدرات بايدن الصحية والذهنية، وما يُثار حول قدرته - حتى لو فاز – على استكمال ولاية من أربعة أعوام.
أضاف هذا التطور مشكلة أخرى إلى المشاكل التي تواجه أوكرانيا والشركاء الأوروبيين الداعمين لها، ويطرح عليهم بإلحاح: هل أوروبا قادرة وحدها على القيام بأعباء الحرب ضدّ روسيا، في حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض وقرّر خفض الدعم العسكري والمالي الأميركي عن كييف، إذا لم تلتزم باقتراحات للحل قد يتقدّم بها للطرفين الأوكراني والروسي؟
منذ الآن، تقول الاستخبارات الأميركية، إن بوتين يعمل لدعم ترامب، اعتقاداً منه أنه سيوقف المساعدات عن أوكرانيا. كل ذلك من شأنه بعث القلق أكثر لدى زيلينسكي، وجعله يصرّ أكثر على قرار واضح من الحلف، ينص بوضوح أن أوكرانيا ستصير عضواً في الحلف خلال مدة وجيزة، بما يبعث برسالة قوية إلى روسيا، تحمل بوتين على خفض شروطه لبدء حوار مع كييف لوضع حدّ للحرب.
هل "الناتو" جاهز لمثل هذه الخطوة التي تحمل مخاطر كبرى على أوروبا والعالم؟
لا جواب قاطعاً بعد.
التعليقات