أسعد عبود

بعد طول انتظار، وصلت عشر مقاتلات من طراز "إف-16" الأميركية الصنع إلى أوكرانيا، هي الدفعة الأولى من 79 مقاتلة وعدت دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، بإرسالها إلى كييف، لمساعدتها على صد الهجمات الروسية بالصواريخ والمسيّرات، وشن غارات على مواقع الجيش الروسي على الجبهة وربما ما وراء الجبهة. يعزز تسلم "الإف-16" ترسانة الأسلحة الغربية التي صارت تملكها أوكرانيا، من راجمات "هيمارس" وصواريخ "أتاكمز" و"باتريوت" الأميركية، إلى صواريخ "سكالب" الفرنسية، و"ستورم شادو"، عدا عن مدفعية "الهاوتزر". وكأن هذا البلد بذلك ينتقل تدريجياً من الترسانة القديمة السوفياتية القديمة التي كان يعتمدها حتى اندلاع الحرب مع روسيا في 22 شباط (فبراير) 2022. وبتدفق الأسلحة الغربية المتطورة، يقترب الجيش الأوكراني من نظام تسليحي، مشابه لما هو معمول به في جيوش الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. وهنا مكمن الخطورة بالنسبة إلى روسيا، التي كان منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الأطلسي أحد الأسباب الرئيسية للحرب ضد جارتها. وكلما وصلت شحنة من الأسلحة الغربية إلى كييف، تقترب أوكرانيا عملياً من الحلف الغربي. بواعث القلق لدى روسيا هنا أكثر من أن تحصى، إذ إن مقاتلات "إف-16" متى اكتمل وصول دفعات أخرى منها، ستشكل خطراً على القاذفات الروسية التي تطلق الصواريخ على الجبهة من داخل روسيا كي لا تتعرض لصواريخ الباتريوت، وسيتعين عليها بحسب محللين عسكريين غربيين الابتعاد الآن أكثر عندما تطلق صواريخها، وتالياً تخف احتمالات إصابة أهدافها. ويضيف هؤلاء أن "الإف-16" في امكانها قصف قطع الأسطول الروسي في البحر الأسود. ومعلوم أن هذا الأسطول تعرض لخسائر كبيرة بفعل المسيّرات الجوية والبحرية الأوكرانية. لن تغير "الإف-16" المعادلة العسكرية بالكامل، لكنها ستفرض وقائع جديدة، منها أن أطقماً فنية غربية قد تحضر في أوكرانيا للعمل على صيانة هذه المقاتلات، ريثما يكتمل تدريب الأطقم الأوكرانية، أو ربما تكون المقاتلات الجديدة مضطرة للحصول على هذه الصيانة في بلدان أطلسية مجاورة، مما سيزيد من عوامل الاحتقان بين روسيا والأطلسي. وإذا ما رفدت فرنسا مقاتلات "إف-16" بمقاتلات "ميراج 2000"، تكون كييف في طريقها إلى توديع الاعتماد على مقاتلاتها القديمة من طراز "سوخوي" و"ميغ"، وتالياً المضي خطوة أخرى نحو احراز بعض التوازن الجوي مع روسيا. وحتى لو اضطرت أوكرانيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا، تحت أي ظرف من الظروف، فإن إسنادها بالأسلحة الغربية يساعدها في التفاوض من موقع أفضل. إنما وجه الخطورة يبقى كامناً في أن يقود الدعم الغربي النوعي إلى تزايد فرص الاحتكاك المباشر بين روسيا والأطلسي. إن تطوراً من هذا النوع يعني اتساعاً للحرب بين روسيا النووية وحلف أطلسي نووي أيضاً. يملي هذا حسابات دقيقة على جميع الأطراف، ويجعلها تأخذ في الاعتبار عدم الذهاب بعيداً في شن هجمات مستفزة. والخوف هو أن يشجع وصول "الإف-16" أوكرانيا على زيادة الاستهدافات في العمق الروسي، كما أن الكرملين سيسعى جاهداَ لجعل المقاتلات الجديدة هدفاً له. في الأيام والأسابيع المقبلة، سيتضح الفارق الذي يمكن أن تكون قد أحدثته "الإف-16"، التي طالب بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ الأيام الأولى للحرب، لكنه ووجه بتردد الرئيس الأميركي جو بايدن الذي حرص على أن لا يزود أوكرانيا بأسلحة تعتبرها روسيا مستفزة، وتحملها على الرد بالمثل، أو بتزويد خصوم أميركا في العالم بأسلحة روسية متطورة قد تلحق الأذى بالمصالح الأميركية. والسؤال المهيمن الآن هو ترقب ما يمكن أن تتركه "الإف-16" من صدى على الجبهات وداخل روسيا. ورد موسكو على هذا التطور قد يكون خارج أوكرانيا وخارج أوروبا.