محمد صلاح

لم يتوقف "الممانعون" أصحاب الهوى الإيراني المتحمسون دائما لحركة "حماس" وأفعالها و"حزب الله" اللبناني وجموحه و"الحشد الشعبي" في العراق وتهوره والحوثيون في اليمن واندفاعهم، عن معايرة العرب بأن سياسات العرب أو قل حتى ضعفهم هو الذي دفع بالأذرع كي ترتمي في أحضان الجسد الإيراني، لكنهم لا يخوضون في أطماع إيران الإقليمية، أو مؤامرات استخباراتها وعملائها في تخريب المجتمعات العربية، أو تشجيع ودعم ومساعدات ايران لأذرعها لتحل محل الجيوش الوطنية، وهم جميعاً يستخدمون الخطاب السياسي والإعلامي الذي تتبناه دائما "حماس" كلما ذهبت الى جموح غير محسوب يترتب عليه المزيد من الجرائم الوحشية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، والذي يقوم على تحميل العرب مسؤولية كل عدوان اسرائيلي، واتهام النظام العربي بالضعف والعجز عن مواجهة ردود فعل الدولة العبرية، وفي دفاعهم عن إيران لا يخجلون من تجاهلهم مسألة الاختراق الإسرائيلي للاستحكامات الأمنية الإيرانية التي فشلت مرة بعد أخرى في حماية رموز إيرانية جرى اغتيالهم في مدن إيرانية أو أهداف استراتيجية تم تدميرها بهجمات إسرائيلية في القلب الإيراني، وأخيراً اغتيال "الضيف" إسماعيل هنية الذي كان يعتقد، حين وصل طهران زائراً، أنه في مأمن من الاستهداف. نعم لدى الدول العربية ظروفها التي تتحكم أحياناً في سياساتها، أو تمنعها من اتخاذ مواقف معينة، وكذلك لديها أوضاعها الداخلية التي تضغط عليها وتحدد أولوياتها وتدفعها الى السير في مسارات التنمية وتفادي النزاعات الإقليمية أو الحدودية، ورغم كل الشطط الفلسطيني على مدى قرون، والخلافات، أو قل الاحتراب الفلسطيني الذي أثر على قدرة الفلسطينيين والعرب في الاتفاق على قواسم مشتركة لمواجهة إسرائيل، لم يتخل العرب أبداً عن القضية الفلسطينية او حتى حركة "حماس" رغم جرائم الحركة ضد بعض الدول العربية التي قدمت الدعم المالي والمساندة السياسية، وسعت دائماً الى رأب الصدع بين الفصائل الفلسطينية واستضافت هنية وغيره من قادة "حماس" في مناسبات مختلفة وجهزت إقاماتهم الآمنة في فنادق أو أماكن لم يتهددوا فيها وحافظت عليهم ولم يمسّهم سوء وجهزت لهم أماكن للاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات، وتناست ما ارتكبه إعلام "حماس" من سباب وشتائم وافتراءات ضد القادة العرب بل والشعوب العربية، وترفعت عن عقاب قادة الحركة أملاً في أن يحفظوا الجميل أو العهد دون جدوى، وموّلت دول عربية عمليات إعادة إعمار قطاع غزة بعد كل حرب لم يؤخد رأي العرب فيها بل طلب منهم سداد أثمان خسائرها، ولم يمنعهم دعم "حماس" لمخططات إيران والغرب لتخريب المجتمعات العربية تحت لافتة "الربيع العربي"، أو تحالف الحركة مع تنظيم "الإخوان" الإرهابي ومشاركة التنظيم هجمات ضد مراكز الشرطة أو الجيش أو السجون كما حدث في مصر التي أصدرت محاكمها أحكاماً وصمت "حماس" بالإرهاب ودانت قادتها بدعم جرائم قتل ارتكبها "الإخوان" ضد مواطنين مصريين. وبينما ينتظر العرب والعالم ردّ إيران على اغتيال هنية في قلب طهران في ظل قناعة راسخة بأن التكنولوجيا تجاوزت التسليح الإيراني القادر على تهديد العرب لكن لا يمكنه تنفيذ أي عملية انتقامية أو هجومية معقدة ضد هدف إسرائيلي، لا يمكن تجاهل قدرة إسرائيل على تجنيد عملاء لها من الداخل الإيراني، ويبدو التساؤل قائماً: من يحمي الآخر، هل يفترض أن تحمي الأذرع إيران من تهديدات الأعداء أم أن دولة الملالي التي أسست أذرعها وتحالفت مع ذراع سنّية مهمة كحركة "حماس" يفترض أن تحمي أذرعها وترد عنها الأذى؟ وفي الواقع أن الأذرع مهمتها فقط تهديد الجيران واستنزاف الجيوش الوطنية العربية وأن تعمل على تغيير قناعات الناس وفرض أمر واقع مفاده أن الميليشيات أهم من الجيوش، بينما على الجانب الآخر أظهرت "الإهانات" الإسرائيلية المتتالية لإيران وأذرعها أن العالم عاش كذبة كبيرة لفترة طويلة تتعلق بالمبالغة في قوة إيران وقدراتها، وظلت القنوات والمنصات الإعلامية الإخوانية والمتأسلمة تدفع في ترسيخ ذلك الاعتقاد، لكن الأفدح أن الإعلام المحسوب على دول عربية لديها تناقضات مع إيران وأذرعها وقع في الشرك وساهم، دون وعي، في صناعة وهم كبير و"النفخ" في صورة إيران فخلق انطباعات زائفة عن قوتها وقدراتها ناهيك عن أهدافها. والمؤكد أن إسرائيل أدركت أن أي رد إيراني على اغتيال هنية (إذا حدث) سيكون ضعيفاً محدوداً وربما مضحكاً كما حدث في نيسان (أبريل) الماضي، فأعفت قطر من الإحراج ونفذت العملية في قلب طهران، وكعادتها تركت الغموض يشغل باقي الأطراف للبحث عما إذا كان "الضيف" اغتيل بصاروخ بعيد المدى أو مقذوف من مكان قريب أو عبوة ناسفة زُرعت في المكان قبل فترة طويلة أو قصيرة! وتركت رسالة مفادها أن زعماء "حماس" مقيمون في الدوحة لكن اصطيادهم سيكون خارجها. وكلما تقلصت قدرات "حماس" إلى ردود سريعة مؤثرة دراماتيكية، التوحش الإسرائيلي سيزيد والعرب أضعف من أن يكون لهم موقف رادع، وإيران لديها حساباتها التي تستخدم أذرعها لتحقيقها، وإذا عجزت رفعت الصياح الذي ينخدع به البسطاء ويروج له المتواطئون. بالنسبة لإسرائيل فإن الوعي الجمعي لديها على اقتناع بأن اغتيال شخصيات سياسية مهمة انجاز كبير، وهنية كان متاحاً لسنوات لكن ما يطلق عليه قواعد الاشتباك حال دون تصفيته تفادياً أيضاً لردّ عنيف من "حماس"، والآن وجد نتنياهو أن عليه أن يقدم للمجتمع الإسرائيلي إنجازات على شكل اغتيالات لأن إسرائيل من السبعينات فقدت صورة الانتصار وتستعيض عن ذلك بالاغتيالات للاحتفال بنصر لم يعد سهلاً بالطرق العسكرية، ورغم المكسب الذي روج له نتنياهو لكن إطلاق سراح الأسرى سيواجه غموضاً شاملاً لأن عملية التفاوض جرى ضربها وتخريب خطواتها، ما يجعل أهالي الأسرى يزيدون الضغوط التي يبدو وكأن نتنياهو لا يعبأ بها.