عبدالعزيز التميمي
من طبع البشر كراهية الموت وهو الحق، والموت يفر منه كل الكائنات الحية ولا يوجد حي في الدنيا يحب أو يقبل أن يفكر لمجرد التفكير بالموت، ولا حتى على سبيل المزح أو العِبرة.
والحقيقة أن لهذا القدر المحتوم فلسفة يجهلها الكثيرون من بني البشر ولا يعرف أسراره إلّا الراسخون في العلم، متمسكين بالعروة الوثقى وهو الإيمان بالله، الثقة بقدراته جل وعلا، لأن الحقيقة التي يجهلها أكثر الناس أن الإنسان يبدأ مشواره نحو الموت والفناء منذ يوم ولادته بشكلٍ متواتر، في بدايته تناقص العمر وفي آخره تناقص الأمل بالنجاة وانعدام الثقة بالاستمرار في الحياة.
فالموت مرافق للإنسان دون أن ينتبه إليه أو يلاحظه كما ذكرت من يومه الأول، فتساقط الشعر مستمر معه لينبت مكانه شعرة أخرى إلى أن يأتي يوم بعد يوم يسقط الشعر ولا ينبت مكانه كما كان في ريعان شبابه، وكذلك الجلد والأظافر واللعاب والدم وخلايا الجسم في تبادل متناقص بين الاستبدال والتجدّد والموت، إلى أن تأتي فترة الانحدار الإنمائي قبل وصوله إلى الجمود ووقوف النمو والتجديد. من هنا يصل الإنسان إلى اليأس ومعرفة أن الدائم هو الله سبحانه وتعالى، وأنه متجه إلى الحقيقة التي يكرهها فيصبح رهين أمرين لا ثالث لهما بحسب انتمائه. فإذا كان ممَنْ يؤمن بالله تعالى فهو في عيشة راضية متمسك بالعروة الوثقى يكمل ما قدر له من حياة كاملة مكملة فيتوفى بسلام وهدوء، وعكس ذلك إن نسي نفسه وسار بعكس ما خلق له الإنسان فهذا الذي يقول عنهم الباري عز وجل في القرآن الكريم الآية 19 من سورة الحشر (فأنساهم أنفسهم) فمآل هذه الفئة من الناس الحزن والأسى والخوف والكائبة المؤدية إلى الانتحار، كما حصل مع الكثيرين ممَنْ كنا نظن أنهم سعداء بمالهم ومللهم وسلطانهم، وهم أكثر الناس بؤساً وتعاسة وخسراناً، والسبب أنهم لم يعرفوا الله حق معرفته وأنه الواحد الموجد الأبدي الذي لا تدركه الأشياء سبحانه. فالمؤمن الناجي من براثن هذا العذاب هو الذي يعمل لآخرته كأنه يموت غداً، ويجتهد في العبادات والطاعات بحسب ما أمره الله في الكتاب والسُنة. هؤلاء هم الفائزون بالخيرات والنعم، فطوبى لكل مَنْ عرف وسمع وطاع ونجا من مشهد يوم عظيم يبدأ مشواره إليه مع يوم ميلاده، الأول مرفوع عنه القلم فيشقى بحسب ما أسّس عليه من خلق.
التعليقات