عبده خال

قبل سنوات فجّر أحد الشباب قنبلة دينية شبابية، فالشاب الذي يدعى (سليم البزمار) أحدث حدثاً يُعلق على أعناق كل رجالات الديانات الثلاثة لعجزهم عن الإتيان بالحجة الجاذبة لطمأنة (سليم) بدين يعتنقه.

ولذلك اعتنق (سليم) ثلاث ديانات في الوقت نفسه (الإسلام والمسيحية والبوذية) كنوع من الاحتراز لكي يحصل على حسن الختام، والجائزة الأخروية لأي دين صحيح يكون قد أعتنقه من الديانات الثلاث، فكان يحضر صلاة الجمعة في المسجد، ويذهب إلى الكنيسة كل أحد، وفِي اليومين التاليين يظل متأملاً وفق المعتقد البوذي.

و(سليم) هذا انطلق من فكر تجاري متخذاً من قاعدة (لا تضع بيضك كلة في سلة واحدة) نبراساً.

وبسبب تلك الحسبة قال: (وهكذا اذهب إلى الجنة).!

هذه هي القنبلة التي فجّرها اعتقاد ذلك الشاب، وهي قنبلة تحمل أزمة شباب لم يجدوا الاقتناع من قبل المتحدثين عن الديانات المختلفة.

كان هذا الحدث قبل سنوات عديدة، وسليم هذا ليس حالة منفردة، ففي الآونة الأخيرة ظهر أفراد ساعون للانسلاخ من الدين، وهذه النوعية تتمسح، أو تتهود (وإن كانت اليهودية صعباً مسلكها ما لم تكن الأم يهودية، وهناك من انسجم مع ديانات مختلفة ليست ضمن الرسائل السماوية، ومؤخراً أصبح الشعار الأعم ادعاء الإلحاد من غير أسس فلسفية، وإنما نوع من الرفض لمن يتحدث باسم الدين.. وسبب ذلك الرفض عدم وجود حضانة لجيل اختلطت لديه المعارف، ونشأت لديه أسئلة لا تجد جواباً شافياً لدى رجالات الدين، فأخذ يسأل أسئلة لا تتحملها صدور المتحدثين باسم الدين، ويضاف على الجهل بالإجابة حدة طبع رجال الدين مع أي اختلاف، أو عدم التصديق بما يقال لهم من حجج عاطفية، فتراكم النفور من حدة وغلظة الإجابات الجاهلة، والنفس الإنسانية لا تقبل الصد أو تسفيه الرأي، أو استخدام الألفاظ المحقرة، أو الحادة، وهذا أدى إلى نفور الشباب (وترك الجمل بما حمل).

أعود وأقول الشاب سليم (بغض النظر عن موقعه في الخارطة) فقد جسّد أزمة الجيل الحالي، أو بعض أفراده في العالم، وإن مثّلوا نسبة ضئيلة هم رقم قابل للزيادة أو النقصان، وفئة الشباب هؤلاء، لم يجد الفرد منهم حضانة تمنحه الاستقرار النفسي، والحجج العقلية لتثبيت المعتقد سواء أكان إسلامياً أو مسيحياً، أو يهودياً، أو بوذياً.

وأعتقد أن المتحدثين باسم الدين لديهم فقر مدقع بالمعارف، والعلوم الحديثة، فهؤلاء المتحدثون ليس لديهم علاقة وثيقة بالرياضيات، والفيزياء (العلوم التطبيقية بالعموم)، ورافضون للفلسفة، وليسوا على اطلاع بالأسطورة، والرفض المسبق بالفنون (الفنون السبعة)، وليس لديهم علم عميق بما تنتجه العلوم التقنية، وغير متابعين أو مهتمين بما وصل إليه الخيال العلمي الذي أصبح واقعاً موازياً للواقع المعاش.

وإذا كان رجال الدين رافضين لهذه الحقول المعرفية فسنجد شباباً يغذي يومياً بمعارف مستحدثة تولد عشرات الأسئلة التي لا يجد رجال الدين جواباً لها، ولا يقتنع الشباب بإجاباتهم.

وعندما تجد شاباً يعلن إلحاده، تحاول الحوار معه، عمّا يمكن له إثبات الحاده فلسفياً، فيكون جوابه: كيف لك أنت أن تثبت إيمانك؟!

ويصبح سؤال كل منكما معضلة إثبات، فالملحد غير قابل الاعتراف بما تقول نصيّاً، وأنت غير قابل بالاعتراف بما وصل إليه مادياً كبرهنة فلسفية أو رياضية، أو فيزيائية، كونه انطلق من جهل بالمادة، ونشوئها، وتطورها.

أخيراً، اعتذار حقيقي عن عنوان المقالة (حوار الطرشان)، وقد ثبته كون الطرفين ينطلق كل منهما من أسس مقيدة للمصطلحات، والتقييد لن يكون أساساً لبناء حوار مثمر.