حمود أبو طالب

لم تعد المشكلة الأولى في منطقتنا الآن البحث عن السلام، بل كيف يمكن إيقاف المضي سريعاً إلى كارثة كبرى محتملة. كانت هناك آمال تلوح في ملف السلام وحل الدولتين وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني العربي المزمن من خلال الجهود الكثيفة التي تبذلها دول عربية وازنة ومؤثرة في المجتمع الدولي أثمرت عن تفهم أكثر لضرورة السلام العادل المستدام، لكن اندلاع حرب غزة حرفت المسار إلى وجهة أخرى، تحول البحث عن حل جذري شامل إلى بحث عن سبل لإطفاء حريق غزة الذي أشعلته منظمة حماس وأشعلت به أقصى درجات العنف والتوحش الإسرائيلي. شرارة عبثية بقرار ميليشياوي تحولت إلى حرب مدمرة لقطاع غزة وسكانه، ثم بدأت تتحول إلى أزمة إقليمية تُنذر بمواجهات خطيرة، خصوصاً بعد الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل مؤخراً لعناصر مهمة في حماس وحزب الله، بلغت ذروتها بتصفية إسماعيل هنية في إيران، والتي أشعلت تهديدات مواجهة بين إيران وإسرائيل لا ندري كيف ستكون هذه المرة، لكنها كيفما كانت ستجعل المشهد أكثر خطورة.

كان الصراع قديماً بين إسرائيل و«دول» عربية، لكنه تحول بعد الثورة الإيرانية التي وظفت لاحقاً شعار تحرير القدس لصناعة تنظيمات تابعة لها في بعض الدول العربية، تحول إلى صراع غير مباشر بين إسرائيل وإيران من خلال تنظيماتها الميليشياوية، بدءاً بحزب الله في لبنان، وفي العراق بعد إسقاط حكم صدام حسين، ثم سوريا، ثم اليمن، والأهم من ذلك احتواء منظمة حماس داخل منظومتها، لتصبح أداة تنفيذية لاستراتيجيتها أكثر من كونها منظمة وطنية خالصة، وتشجيعها على ارتكاب حماقات أضرت كثيراً بالقضية الفلسطينية المشروعة وهشمتها إلى جزئيات، وشرخت وحدة القرار السياسي الفلسطيني، لتكون النتيجة أزمة فلسطينية داخلية، أراحت إسرائيل كثيراً في إيجاد ذرائع لجرائمها ضد الشعب الفلسطيني.

وحين تجتمع القيادة الإيرانية بممثلي التنظيمات والميليشيات التي ترعاها في دول عربية للوصول إلى كيفية الرد المناسب على حادثة اغتيال هنية، وفي الجهة الأخرى تستنفر إسرائيل أقصى إمكاناتها العسكرية والأمنية لمواجهة ما قد تقوم به إيران، فإن الصراع الإسرائيلي العربي الذي تمثل القضية الفلسطينية سببه الجوهري، تحول إلى صراع إقليمي بين إسرائيل وإيران التي لا حدود لها مع إسرائيل، ولا يتضرر شعبها من العدوان الإسرائيلي، ولكنها تتسبب في الأذى لبلدان وشعوب عربية من خلال أذرعها التي ترفع قميص القضية الفلسطينية. أي أنها أزمة على أرض عربية بين إسرائيل وطرف غير عربي، حطبها ووقودها أرواح عربية، وقد تتولد عنها أزمات أخطر تذوب فيها فلسطين وقضيتها.

إسرائيل دولة احتلال متطرفة في ممارساتها العدوانية، والوصول معها إلى حل سلمي عادل للقضية الفلسطينية ليس سهلاً، لكن دخول إيران طرفاً مباشراً فيها لن يجعل الوضع أكثر تعقيداً فحسب، بل يزيده خطورة. وهذه الخطورة لن ينخفض منسوبها إلا بتراجع إيران إلى شأنها الداخلي فقط، وإزالة جيوبها في الداخل العربي. لا بد أن تستوعب إيران أنها عضو غريب على الجسد العربي أضر به كثيراً، وعليها الخروج منه.