رامي الخليفة العلي
تعد ألمانيا الإقتصاد الأقوى في القارة الأوروبية ولكن هذا التفوق الصناعي بحاجة إلى أيدٍ عاملة وتقدر الحكومة الألمانية أن هنالك في الوقت الحالي أكثر من نصف مليون وظيفة شاغرة بمجالات مختلفة خاصة الحرفيين والميكانيكيين وعمال البناء وغير ذلك، وبالتالي فإن ألمانيا بحاجة إلى ما يزيد على الـ400000 مهاجر كل عام لدواعٍ إقتصادية، بل إن أرقام الحكومة تشير إلى أن 7 ملايين من الأيدي العاملة سوف تخرج من سوق العمل في العام 2035 لذلك على الحكومة أن تفعل المزيد من أجل استقطاب أعداد كبيرة من المهاجرين، ومن أجل ذلك عمدت خلال الشهور الماضية إلى تغيير قانون الهجرة وتسهيل الحصول على الجنسية الألمانية لعل ذلك يمكن أن يمثل حافزاً لمجيء مزيد من المهاجرين. لكن المنافسة تزداد ما بين الدول المتقدمة للحصول على المهاجرين المؤهلين والذين يلبون حاجات سوق العمل وهذا أمر ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ومعظم الدول الأوروبية. أما الحديث المتزايد عن أزمة الهجرة فهو حديث إعلامي أكثر من أن يكون واقعاً اقتصادياً، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن بريطانيا دخلها بشكل غير شرعي أعداد تقترب من الـ100000 مهاجر، بالمقابل فإن الحكومة البريطانية سمحت بدخول أكثر من 800000 مهاجر شرعي بسبب حاجات سوق العمل. وللمفارقة فإن أرقام الحكومات الأوروبية تشير إلى نسب معينة من البطالة لأن الوظيفة النموذجية في المخيال العام للمواطنين الغربيين هي في المكاتب المكيفة والتي تلبي طبيعة التعليم والتدريب الذي تلقوه، لكن كما أن هنالك حاجة إلى الأطباء والمهندسين والمحاسبين والمبرمجين فإن هنالك حاجة إلى الأيدي العاملة التي تعمل في مهن كالبناء وبائعي التجزئة وسائقي الشاحنات وغيرهم، فالأمر لا يتعلق باستقطاب العقول مع أن ذلك موجود وهو في كل الدول سواء كانت في أوروبا أو في الولايات المتحدة أو في آسيا، ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى الحاجة إلى الحرفيين والأعمال اليدوية التي تحتاج إلى جهد عضلي وبأجور رخيصة لا يقبل المواطن بها. ومن المرجح أن المنافسة سوف تزداد حدتها خلال السنوات القادمة لأن هنالك عملاقاً سوف يدخل على الخط وهو الصين والتي تعاني من انخفاض معدل المواليد بسبب سياسة الطفل الواحد والتي تم التخلي عنها مؤخراً، كما تعاني أيضاً من ارتفاع نسبة كبار السن حيث من المتوقع أن تصل نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً في الصين إلى 24% بحلول عام 2035 وهذا سوف يضع أعباءً كبيرة على نظام الرعاية الاجتماعية والصحية ونقصاً في عدد العمال الذين يدعمون الإقتصاد، بل أكثر من ذلك فإن القوى العاملة في الصين ستنخفض بنسبة 0,5% سنوياً حتى العام 2030 ثم تتسارع إلى0,9% سنوياً حتى العام 2050. والغريب أن هذه الظاهرة تتزامن مع ظاهرة أخرى تبدو مناقضة لها وهي العداء للأجانب والمشاعر العنصرية التي تتفشى في أوساط اجتماعية أدت إلى تقدم اليمين المتطرف في أكثر من دولة، وربما ما نشهده مؤخراً في بريطانيا هو تجسيد لهذا التناقض، فالعداء للمهاجرين ليس لأسباب اقتصادية وإنما لأسباب متعلقة بالهوية والعولمة والاستغلال السياسي والمشاعر العنصرية المتبقية من الماضي السحيق أو القريب. بل إن الفترة القادمة ربما تشهد مزيدا من هذه الظواهر بالرغم من كونها معاكسة للواقع الاجتماعي والاقتصادي ولكن الاستغلال السياسي أحيانا يكون أكبر من حركة المجتمع والاقتصاد على الأقل في المدى القريب.
التعليقات